ولم تدم صداقة المتنبى لبدر إلا حوالى عام ونصف العام، فلما وجد أنه لم يعد آمنا على نفسه من دسائس منافسيه وحساده (الواحدى، ص ٢٥٣، الأبيات ١٣ - ١٦؛ اليازجى، ص ١٦٩) التجأ إلى بادية الشام (الواحدى، ص ٢٥٢ - ٢٥١؛ ص ١٦٨ - ١٦٩) وهناك تملكته فكرة الثورة من جديد (الواحدى ص ٢٥٣ - ٢٥٤؛ اليازجى، ص ١٧٠ - ١٧١).، من حسن الطالع أن نزوح بدر إلى العراق قد مكنه من الخروج من مخبئه ومعاودة التكسب بالمديح، فمدح عدة أشخاص ليسوا بذوى خطر (الواحدى، ص ١٠٧ - ١٠٨، ٢٨٤ - ٣٤٨؛ اليازجى ص ٦٠ - ٦١، ١٩٤ - ٢٤١) ثم نجح آخر الأمر فى توطيد مركزه فى بلاط الحمدانيين بحلب عندما) صبح الشاعر الرسمى للأمير سيف الدولة وكان ذلك فى أوائل عام ٣٣٧ هـ (٩٤٨ م).
وإذا نظرنا إلى أشعاره من الناحية الأدبية فى هذه الفترة التى تبتدئ على التقريب من منتصف عام ٣٢٩ هـ (٩٤٠ م) وهو تاريخ الوحشة مع بدر، وتنتهى فى أوائل عام ٣٣٧ هـ (٩٤٨ م) فإننا نجدها تكوَن المرحلة الرابعة التى ظل يلتزم) سلوبها حتى وفاته. ويمتاز شعره فيها بالتوفيق بين التقاليد الشعرية القديمة التى درج عليها المحدثون وبين القالب الشعرى المتحرر الذى اتخذه المتنبى فى مرحلة ثورته، ومع أنه لم ينبذ قالب القصيدة القديم فقد اقتصد إلى أقصى حد فى مقدماتها الغزلية، وكان أحيانا يستبدل بها مقدمة فلسفية غنائية يبث فيها أحلامه وشفاءه من الأوهام وسخطه.
وقد مكث أبو الطيب تسع سنوات مع سيف الدولة، وكان متعلقا به تعلقا شديدًا، إذ رأى أنه قد تمثلت فيه صفات الزعيم العربى الكامل، فقد كان عظيما شجاعًا مسماحًا، وقابل ذلك سيف الدولة بان قدر شاعره وغمره بالهبات ولم يسئ اليه قط. وصحبه المتنبى فى غزواته حتى إذا رجع إلى حلب تغنى الشاعر بمغامرات مولاه مع الروم والبدو. وكان المتنبى فى الفترات القصيرة التى تتخلل غزوات سيف الدولة الحمدانى يشترك فى لهو البلاط