بحلب ويتوفر على الانتاج، وينظم المدائح فى كل مناسبة للوح (الواحدى، ص ٥٢٢ - ٥٣٧، اليازجى ص ٣٧٦ - ٣٩٥) ويرثى أقرباء سيف الدولة الذين يتوفاهم الله (الواحدى، ص ٣٨٨ - ٣٨٩، ٤٠٨ - ٤٥٩، ٥٧٧ - ٥٧٨، اليازجى، ص ٢٧١ - ٢٧٢، ٢٨٦ - ٢٨٧، ٤٢٨ - ٤٢٧). وقد كان من شأن أخلاقه الشرسة وشهرته الواسعة أن ألبت عليه أعداء ألداء. وفى الحق لقد حاول نفر من أصدقائه كالببغاء الشاعر أن يدافعوا عنه، بيد أن حماستهم لم تجد شيئا أمام عداوة فريق من الخصوم الألداء يتزعمهم الشاعر المعروف أبو فراس ولم يحفل سيف الدولة بادئ الأَمر بحملات أولئك الخصوم على شاعره. ولما ضاق صددره وتخلى عن حماية المتنبى لم يستطع هذا أن يأمن على حياته، ففر خفية من حلب مع أسرته والتجأ إلى دمشق فى نهاية عام ٣٤٦ هـ (٩٥٧ م).
ويتفق نقاد الشرق بصفة عامة على أن المتنبى قد بلغ الذروة بقصائده التى نظمها أثناء إقامته مع سيف الدولة، ومع أن فى هذا القول شيئا من البالغة، فالمحقق أن الشاعر فى هذا العهد الذى يعتبر بمثابة الاستمرار فى مرحلته الشعرية الرابعة، قد كشف عن امتلاكه ناصية الشعر، وهو ما بلغ إليه فنه فى تلك المرحلة. وكان المتنبى أقدر من أبى فراس، الذى كان كثيرا ما يوازن به، على وصف انتصارات سيف الدولة على الروم؛ ولو أن شعره كان ينقصه حقا سحر شعر أبى فراس، إلا أنه كان أكثر منه شمولا وأقرب إلى الملاحم.
وانتقل أبو الطيب من دمشق إلى الفسطاط بمصر، واتصل بكافور الإخشيدى، وحياة المتنبى فى هذا الوقت تكشف لنا عن الضرورات التى كان يخضع لها شعراء القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). ذلك أن أبا الطيب، وقد حُرم من الاستقلال المعنوى والمادى، لم يجد مناصًا من أن يمدح مولى لم يكن يحمل له فى قرارة نفسه إلا الاحتقار. ومدائحه فى هذا الرجل تظهرنا بجلاء على أسفه لفقدان رضا سيف الدولة، وهى قصائد متكلفة بعض الشئ، فيها ما يمس كافورا (البديعى: