وعلاوة على هذه الرسائل، توجد بعض براءات تعيين المحتسبين، لم تلق ما تستحقه من اهتمام: إحداها ترجع إلى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) وردت ضمنا فى مجموعة الإنشاء للصاحب ابن عباد، رقم ٣٩، والأخرى هى إيرانية - تركية من القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى). وردت فى رسائل رشيد الدين وطواط، رقم ٨٠؛ وكتاب عَتَبَة الكتبة (بالفارسية) لمنتجب الدين بديع أتابك الجوينى، طهران سنة ١٣٢٩، ص ٨٢ وما بعدها؛ وأخيرا نجد براءات أخرى من الشام ومصر صدرت فى عهد الأيوبيين، والمماليك، فى خطابات ضياء الدين بن الأثير (انظر Bulletin of -the school of Oriental Studies, London Institution جـ ١٤ - ١, ص ٣٨) وفى كتاب صبح الأعشى للقلقشندى (جـ ١٠، ص ٤٦٠، أصدرها القاضى الفاضل)، جـ ١٢، ص ٣٣٩، وشواهد فى مواضع متفرقة، ولعل فى الإمكان وجود براءات أخرى كثيرة.
هذه هى المصادر التى يمكن أن تقوم عليها دراسة الحسبة. ومن ثمَّ فإن هذه المصنفات بمعناها الواسع هى الواجب المفروض، من حيث المبدأ، على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقد يفعل هذا فى المجرى المألوف للأحداث بالإبلاغ عن جريمة والاعتراض عليها بعامة وبالتدخل الشرعى بخاصة، وفى بعض الظروف الخاصة بالإكراه فى حالة عدم وجود سلطة عامة إذا كان فى وسعه أن يفعل هذا - بل له، كما يقول ابن حزم، فى وجود سلطة عامة ليست شرعية، أن ينتقض عليها، وهذا الالتزام فى الحقيقة ليس إلا التزاما نظريا، يستتبع واجب كل مسلم فى أن يفعل كل ما فى وسعه لمواجهة الموقف، ومحظور عليه أن يضع نفسه فى موضع السلطة العامة إذا وجدت. ومن ثم فإن فكرة الحسبة، بالرغم من أنه يمكن أن يكون لها شأن معين فى السلوك الاجتماعى، فإنه ليس لها من حيث العمل إلا أثر ضئيل، ومن الصعب أن ندرك فى أية ظروف تطورت، مع ذلك، نظريتها.