ومنشأ وظيفة الحسبة، وهو فيما يبدو قديم جدًا ليس أكثر من ذلك وضوحًا. إذ لم تستعمل أصلا كلمة حسبة ولا كلمة محتسب، ولكن استخدم بدلا من الكلمة الأخيرة مصطلح صاحب (أو عامل) السوق. ولهذا فإن هناك مسألتين: مسألة أصل مصطلح صاحب السوق، ومسألة تحوله إلى مصطلح المحتسب. ومن المعتقد أن الأول كان خلفا لمراقب السوق الإغريقى الذى كان يتولى تطبيق قانون السوق فى المدن الاغريقية. وكانت واجباته مماثلة للمفهوم العربى إجمالا، أو أن التعبير العربى ترجمة للمصطلح الإغريقى. ومهما يكن من شئ فإنه لا يوجد أى أثر مدون عن مراقب السوق الإغريقى فى النقوش الإغريقية فى خلال الثلاثمائة سنة السابقة للفتح العربى (- Pauly. Wissowa, West and John Byzantine Egypt: son سنة ١٩٥٥، الفهرست) ويمكن أن تكون الوظيفة والاسم على السواء قد أدخلا فى العصر الإسلامى، دون أن يكون بينهما أى ارتباط: وربما يكون الاسم قد ظل شائع الاستعمال، ولعل المدن القديمة قد احتفظت بنظمها القديمة على أية صورة كانت، ولكن هذا ليس من الأسباب التى تدعونا إلى الإصرار على أن صاحب السوق، فى البصرة والكوفة، وغيرهما من المدن كان من المستبعد أن يظهر دون استلهام الفكرة من الخارج.
ومهما يكن الأمر فإن صاحب السوق، فى عهد خلافة المأمون، استبدل به المحتسب، وهو اسم كان لا يستخدم حتى ذلك الوقت إلا للدلالة على شخص معين بالذات يقوم بوظيفة الحسبة. ومن الواضح أن هذا التغير فى التسمية حدث فى إطار إضفاء الصبغة الإسلامية على القوانين التى قام بتنفيذها العباسيون وبخاصة فى عهد المعتزلة؟ ولكن من الصعب أن نقول إلى أى مدى حدث فعلا تحول فى طابع وظيفة الحسبة ومضمونها. ولما حدث التغير فى الشرق بعد انقسام العالم الإسلامى بين الشرق والغرب، ظل لقب صاحب السوق غالبًا فى الاستعمال فى المغرب والأندلس، حيث وقع اختيار الفقهاء أولا على فكرة الحسبة (توجد إشارة صريحة فى كتاب ابن بشْكُوال