ومهما يكن الأمر فإن الواجب الأساسى الدائم للمحتسب حيال الجمهور هو أن يراقب السوق، وقد أصبح هذا الواجب أولا وقبل كل شئ يحدد رسميا منذ البداية فى براءة التعيين. وكان عليه أن يتحقق من صحة الموازين والمكاييل، التى كانت بحكم تعقدها وتعددها البالغ تتيح الغش على الفور. وكان عليه بوجه أعم أن يراقب ويحارب جميع أنواع النقص والخداع اللذين يمكن أن يظهرا فى صناعة السلع وبيعها على السواء (وبصرف النظر عما يوليه الفقه لها من اهتمام - فإن هناك مصنفات كاملة متخصصة تتناولها بالبحث، وأشهر مثال لها هو كشف الأسرار للجْوبرى، فى القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادى). ومن ثم فإن كتب أوليات الحسبة بالمعنى الدقيق، تسوق قائمة بالحرف الرئيسية، وتمد المحتسب بالمعلومات الفنية عن كل حرفة منها، بما يتيح له تمكنه من اختبار جودة المنتجات وتتبع الأخطاء الفنية أو الصناعة السيئة - وكل هذه هى وثائق بالغة الأهمية فى دراسة الظروف الاقتصادية. بل إن للمحتسب، عندما لا يوجد موظف خاص مكلف بهذا الأمر، أن يختبر العملة ليتأكد من سلامتها. وبالإضافة إلى هذا عليه أن يتأكد أن التجار والسماسرة لم يلجأوا إلى الغش ولم يصطنعوا حيلا لخداع المشترى ليبتاع سلعة أو يدفع الثمن المطلوب للحصول عليها.
وكان يتأكد أيضا، من الناحية الشرعية، أن التجار لم ينغمسوا فى أى عمل يرتبط بامتهان الربا المحرم. وكان اختصاصه يمتد إلى المهن نفسها التى لا نعدها عادة فى الوقت الحاضر مرتبطة بالسوق: وهكذا كان يراقب الصيدلانيين والأطباء، وكان فى المدارس يحذر أو يعاقب أى معلمين يفرطون فى القسوة. وكان المحتسب لا يتجاوز حدود المدنية، على أية حال، ولذلك فإن التجار، أو أصحاب الحرف فى المناطق الأخرى، كانوا لا يخضعون لمراقبته.
وثمة موضوع يتعلق بهذا النشاط الاقتصادى الأخلاقى الذى يجب التنويه به فيما يختص بالتقاليد الاقتصادية الإسلامية. فقد كان المحتسب يراقب