للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأسعار، ولكن لم تكن له عادة سلطة تحديدها. وكان يزجر بل يعاقب التاجر الذى تكون أسعاره مرتفعة عن المعدل المقبول، وبخاصة فى الفترات التى يقل فيها المعروض من السلع. وكان يتصرف بقسوة مع من يلجأون إلى التخزين، ولكن الشريعة الذى يحدد الأسعار، أى أنها تتجاوز نطاق سلطات البشر، ومهما يكن من شئ، فقد كان ثمة فى فترة انتشرت فيها المجاعة فى نهاية العصور الوسطى، نزعة متزايدة لتحديد السعر رسميًا.

وكان يرتبط بهذه المهام عمل آخر، دعا الباحثين المحدثين إلى أن يؤكدوا القول بأن التقاليد القديمة الخاصة بأعضاء مجلس المدينة ظلت تتردد فى واجبات المحتسب. ذلك أنه كان من واجباته فى بناء المنازل وترميمها وأمانة المواقيت أن يتأكد من أنه لم يحدث فعل يضر بالأمن العام أو يعوق مرور المشاة أو العربات، وكان مسئولا عن تنظيف الشوارع، وترميم أسوار المدينة عند الضرورة، وضمان تزويد الناس بالماء وتوزيعه بانتظام، الخ .. وكل هذه واجبات دعت إلى أن يعد المحتسب فى زمرة موظفى البلدية (وهو الموظف الوحيد فى عهد الإسلام). على أنه لم يكن أهم من القاضى، بحكم طبيعة وظيفته، ذلك أنه كان لا يعين بأمر أية هيئة مدنية أو مهنية، ومع ذلك فإنه كان فى الواقع يهتم بصفة خاصة وحده دون سواه بأمور المدينة.

وكانت الدولة تعين المحتسب، مباشرة فى بعض الأحيان، وفى أكثر الأحيان عن طريق الولاة أو القضاة الذين كانت تفوضهم رسميًا فى وظيفة الحسبة، لا لكى يقوموا بها من حيث المبدأ، بأنفسهم، ولكن لكى يتأكدوا من أنها قد قامت، وكان يشترط فى المحتسب أن يكون رجلا معروفًا بنزاهته وكفايته فى أمور الشرع، ومن ثم فقد جرى العرف أن يكون فقيهًا، ولكن بالرغم من أن هذه الصفة كانت فى كثير من الأحيان لا يراعى وجوب توافرها فيه، فإن الخبرة المكتسبة من الحياة المهنية دعت أيضًا إلى اختياره، إن أمكن، من بين التجار، وعلى أية حال