فإن الحسبة، فى تقسيم الوظائف إلى سياسية ودينية، كانت وظيفة دينية مثل وظيفة القاضى. وكان تسجيل الصالحين لتولى هذه الوظيفة والقيام بها تكتنفه صعاب تتعلق بمجال عمل المحتسب والأساليب التى ينتهجها. وفى الحالات التى كان لا يستطيع فيها شخصيا أن يراقب منطقة واسعة كان يعين لكل حرفة أمينًا أو عريفًا ينتمي إلى تلك الحرفة، وبالإضافة إلى ذلك كان المحتسب يستعين بعدد من الموظفين المرءوسين له مما يسمح بوجود ممثلين له بسرعة فى أى مكان، لاستدعاء المذنبين إلخ. ومع ذلك فإن هذه الأساليب قلما كانت مناسبة، وكان من الضروري وجود تعاون بين المحتسب والقاضى والشرطة. ولهذا السبب نفسه كثيرا ما حدث أن يجمع الشخص الواحد بين وظيفتى القاضى والمحتسب أو بين وظيفتى الحسبة والشرطة، وعلى الرغم من اتساع مجال عمل المحتسب والصفة الدينية التى تتسم بها وظيفته، فإنه كان يعد بصفة عامة، إخصائيا تابعا للقاضى، وكان تسجيل أسماء الصالحين للقيام بالحسبة يتم باختيار أشخاص أقل من ذلك شأنا إذ أن وظيفة المحتسب كانت تعد أقل شأنا من وظيفة القاضى (كانت وظيفة المحتسب تعد أحيانًا خطوة تمهد لتولى منصب القاضى).
وكان المحتسب بقصبة البلاد فى معظم الولايات الإسلامية تلقى على عاتقه تبعة بعينها هى الإشراف على المحتسبين فى المدن الإقليمية. وفى مستهل القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) حاول الخليفة الناصر، فى إطار سياسته العامة التى ترمي إلى توحيد الإسلام من حيث النظر والدين تحت لوائه، أن يوطد، على الأقل فى الشرق الأدنى، دعائم إشراف عام على الحسبة، الأمر الذى لم يتحقق فعلا (انظر Oriens، جـ ٦، سنة ١٩٥٣، ص ٢١).
وكانت العقوبات التى يستطيع أن يوقعها المحتسب، دون الرجوع إلى سلطات قضائية أخرى وذلك بعد الزجر، هى عادة الجلد، والطواف بالمذنب فى الشوارع مجللا بالخزى والعار، أما الموازين والمكاييل غير