حرب الحصار وقوة المماليك البحرية: ومن أكبر عوامل الضعف عند المماليك في عمليات الحصار التى فرضوها على المدن والقلاع الصليبية الساحلية هى أنهم لم يستطيعوا قط فرض الحصار الكامل عليها، ذلك أن البحر كان مكشوفًا للمُحاصرين، وليس ثمة حالة واحدة قام المماليك فيها بالحصار من البر والبحر في آن واحد، ولم يحدث ذلك حتى في حكم بيبرس الأول الذي بلغت فيه البحرية المملوكية أوج قوتها. وقد نفذت جميع عمليات الحصار المملوكية بطول الشريط الساحلى وكان البحرية المملوكية لم يكن لها وجود على الإطلاق. ولم يحدث قط في الهجمات الإسلامية على الصليبيين أن ظهرت البحرية الإسلامية بهذه الدرجة من الضعف، كما ظهرت في الهجمة العظيمة الأخيرة.
ففى حصار عكا قامت سفن الفرنجة الحربية، وبخاصة تلك السفن المحمية من النيران، بمهاجمة المحاصرين بحرًا (أبو الفدا، جـ ٤، ص ٢٥, RHC. Hist Or، جـ ١، ص ١٦٤)، ولم تقم السفن البحرية للمماليك بإعاقة الفرنجة عن تعزيز قوتهم بالإمدادات، أو بإجلاء اللاجئين عن القلاع المحصورة أو المستولى عليها، أو إنزالهم في الموانئ التى كانت لا تزال في حوزة الصليبيين (انظر مثلا، ابن كثير، جـ ١٣، ص ٣٢١؛ النهج السديد، جـ ١٢، ص ٥٣٩ - ٥٤٠؛ ابن الفرات، جـ ٨، ص ٨٠، ١١٢؛ السلوك، جـ ١، ص ٧٤٧، ٧٦٤؛ ٧٦٥، النجوم الزاهرة طبعة القاهرة، جـ ٨، ص ٨، ١١؛ وانظر أيضًا prawer, جـ ٢، ص ٤٥٤ - ٥٤١، وفى مواضع أخرى، والشواهد والأمثلة فيما نذكره بعد. وعن عزلة البحرية المملوكية، وعن تدخلها الضعيف انظر Stevenson في The crusaders in the East، ص ٣٥٥). لقد كانت البحرية المملوكية عاجزة بالتأكيد عن إعاقة حملة صليبية من النزول في أى موقع على الساحل الشامى الفلسطينى، بما في ذلك القلاع المحصورة لو أن حملة من هذا القبيل قد أنفذت إليها. بل كانت أكثر عجزًا عن القيام بذلك أكثر مما هى في عصر صلاح الدين حين كان المسلمون بعد معركة حطين قاب قوسين أو أدنى من