تغلغل الأثر الأندلسى في بربر بنى حفص. وكان أبو فارس يحكم دولة زاهرة، كما كان كريمًا مع رعيته؛ فاكتسب بذلك شهرة عظيمة في العالم الإسلامى ببعد نظره وسماحته الواعية. وهذا الأمير الذي تجاوز السبعين وهزم ألفونسو الخامس ملك أراغون عند جربة قبل ذلك بعامين قد ختم حياته في أورسنيس، وهو سائر على رأس حملة لإخضاع تلمسان سنة ٨٣٧ هـ (١٤٣٤ م).
١٨ - المنتصر (٨٣٧ هـ = ١٤٣٤ - ١٤٣٥ م). حفيد أبى فارس، وقد كتب على هذا الأمير أن يدخل في منازعات مع أقاربه المنتقضين عليه وحلفائهم العرب، وشيد نافورة، كما شيد المدرسة المنتصرية التي خلَّدت اسمه.
١٩ - عثمان (٨٣٩ - ٨٩٣ هـ = ١٤٣٥ - ١٤٨٨ م). شقيق المنتصر المتقدم ذكره، وقد واصل ما فعله جده العظيم أبى فارس. وكان عثمان ورعًا عادلًا، وبدأ في إقامة منشئات مائية كثيرة، وبنى عددًا كبيرًا من الزوايا. وشمل برعايتة صاحب الكرامات التونسى سيدى ابن عروس المتوفى سنة ٨٦٨ هـ (١٤٦٣ م) وقدر عليه أن يدخل مع أقاربه في نزاع طوال سبعة عشر عامًا من سنة (٨٣٩ إلى ٨٥٦ هـ (١٤٣٥ - ١٤٥٢ م) وبخاصة مع عمه أبى الحسن على. وكان ابن أبي فارس هذا قد طرد من حكم بجاية سنة ٨٤٣ هـ (١٤٣٩ م)، وظل بعدها مدة طويلة مناهضًا لجنود السلطان في إقليم قسنطينة، كما قام عثمان بأعمال حربية في الجنوب في الفترة من ٨٤٥ إلى ٨٥٥ هـ (١٤٤١ - ١٤٥١ م) وواقع الأمر، أنه ما إن انتهت المرحلة الأولى من مغامرة أبي الحسن حوالى سنة ٨٤٣ هـ (١٥٣٩ م) حتى كان السلام قد ساد الجزء الأعظم من البلاد. وكانت الولايات تحكم بالطريقة نفسها التي انتهجت في أيام أبي فارس - أى بعمال من العبيد المحررين المختارين الذين كان يطلق على الواحد منهم لقب قائد. وقد واجه واحد منهم يسمى نبيل، عثمانًا إذ ادعى أنه يستأثر بسلطة عظيمة في البلاط، فسجن نبيل هذا سنة ٨٥٧ هـ (١٤٥٣ م). وتلبَّد الجو في الجزء الثانى من حكمه ولاح شبح