الشرقية، وكان يوقع على المزهر ويؤلف الألحان. وقد أثارت عبقريته إعجاب سيف الدولة، ولا يزال دراويش المولوية يحفظون أغانى قديمة تنسب إليه.
ومذهب أبى نصر مذهب المدرسة التى عرفت فى الإسلام بـ "الفلاسفة" أى مذهب الأفلاطونية الجديدة فى صورته الإسلامية. وهذا المذهب كان الكندى قد بدأ يعبّده من قبل، ووصل به ابن سينا فى مصنفاته إلى أكمل صورة من بعد. ومن المرجح أن الفارابى قد خالف الكندى وابن سينا فى بعض المسائل، ولكن من العسير أن نحددها. ويجب أن نقف موقف التحفظ إن لم يكن موقف الشك عند بسط تفاصيل مذهبه. فمؤلفاته لم تصل إلينا جميعها وإنما وصل إلينا جانب ضئيل منها. ثم إن أسلوبه غامض بعض الشئ، فكثير من رسائله التى بين أيدينا عبارة عن حكم مقتضبة غاية الاقتضاب يتلو بعضها بعضًا فى غير ترتيب. زد على ذلك أننا لا نستطيع أن نأمن التناقض فى مصنفات كثيرة يظهر فيها مرة بعد أخرى اثر أرسطو وافلاطون وأفلوطين. بل لا يمكن أن تخلو من بعض التناقض أيضًا للك الفكرة الأساسية فى مذهبه التى تنحو إلى التوفيق بين أرسطو وأفلاطون من جهة، وبين هذه الفلسفة الناجمة عن التوفيق والعقيدة الإسلامية من جهة أخري.
وقد اعتقد ده بور M. T. J . de Boer أنه يستطيع أن يدل على مواطن الخلاف البَيِّن بين أبى نصر وغيره من أعضاء مدرسة "الفلاسفة" وخاصة الرازى المشهور الذى عاصره. وهذا الخلاف على ما يرى ده بور ينحصر فى أن مذهب أبى نصر يعتمد على القياس والنظر ويقوم بأكمله على المنطق الخالص، بينما تعتمد فلسفة الرازى على التجربة والاستقراء وتتجه دائماً نحو الأمور المادية المشخصة. ولست أعتقد أن هناك حقيقة مذهبين مختلفين، لأن مذهبيهما شقان أو مظهران لمذهب واحد أعم منهما: فقد تناول الرازى الجوانب المادية المشخصة من المذهب لأنه كان طبيبًا وطبيعيًا مشهورًا، بينما تناول الفارابى الجوانب المجردة منه