المالى علاوة على ذلك، إلى فرض الضرائب، قام قطاع من الشعب بالثورة سنة ١٨٦٤. ثم عطل الدستور سنة ١٨٦١ عمليًا وليس قانونًا. وكان آخر من أدخل إصلاحات من التونسيين قبل قيام الحماية الفرنسية هو القائد خير الدين الذى تقلد منصب الوزير عدة مرات وأصبح بخاصة رئيسًا للوزراء من ١٨٧٣ - ١٨٧٧. ولم يكن الاعتقاد فى الحاجة إلى الإصلاح وليد الظروف، بل كان عقيدة عنده يثبتها كتابه:"أقوم المسالك فى معرفة أحوال الممالك"(تونس ١٨٦٧). فلما تقلد السلطة بذل جهودًا كبيرة لإدخال برنامجه الخاص بصبغ البلاد بالصبغة الحديثة على المناهج الأوربية ولكن فى إطار إسلامى بحت، وبعد ٤ سنوات، أحاطته المؤامرات المتشابكة، وعجز الرأى العام عن فهم أهدافه مما دفعه إلى التخلى عن جهوده. وحدث بعد ذلك أن تفاقمت الأزمة نتيجة للانهيار المالى للبلاد والمؤامرات الأوروبية وعدم كفاية الحكام التونسيين الجدد أو الشك فى نزاهتهم، وانتهى الأمر بقيام الحماية الفرنسية.
ونهج التطور فى مراكش نهجًا مماثلًا، ولكن ذلك حدث فى تاريخ متأخر. إذ لم تتصل مراكش بأوروبا عن كثب إلا فى منتصف القرن التاسع عشر من خلال حربها القصيرة مع فرنسا فى أغسطس ١٨٤٤، والاتفاقية التجارية لعام ١٨٥٦ مع بريطانيا العظمى، والحرب المراكشية الأسبانية سنة ١٨٥٩ - ١٨٦٠.
وأدرك السلطان محمد بن عبد الرحمن (١٨٥٩ - ١٨٧٣) الذى كان قائمًا بالحكم عام ١٨٦٠ أن دولة مراكش لن تستطيع البقاء بعد كما هى وقد حاول الرجل من قبل، فى حياة أبيه، إدخال بعض الإصلاحات فى الجيش المراكشى. فلما أصبح سلطانًا، حاول أن يقود البلاد إلى اقتصاد حديث وأن يكبح جماح الفساد الذى لحق ببعض الموظفين بأن يدفع لهم مرتبات. ولكن الصعوبات الجمة واجهت تلك المهمة نظرًا للمؤامرات الأوروبية وفشل مراكش فى فهم أهدافه. وأخيرًا أجبرته الأزمة الزراعية التى وقعت سنة ١٨٦٧ - ١٨٦٩، على أن يعدل عن محاولاته.