للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به مذهبه الكلامى من عدم النضوج والافتقار إلى التوازن، وما تتميز به أيضًا محاولاته من جدة. فقد كان أول من أثار كثيرًا من المسائل الأساسية التى كان على جميع المعتزلة المتأخرين أن يكابدوها.

وقد بلغت وحدانية الله وروحانيته وتنزهه فى مذهب أبى الهذيل الكلامى أقصى درجة من التجريد، فالله واحد لايشبه بأى وجه مخلوقاته، وهو ليس بجسم (بخلاف قول هشام بن الحكم) وليست له هيئة ولا صورة ولا حد. والله عالم بعلم، قادر بقدرة، حى بحياة، قديم بقدم، بصير ببصر. . . إلخ (بخلاف الشيعة الذين يقولون إن الله هو العلم إلخ)، ولكن علمه وقدرته. . إلخ هى ذاته (بخلاف المذهب الكلامى الذى عليه الناس والذى يقول إن الصفات الإلهية أشياء خارجة عن الذات)، وهذه صيغ قصد بها التوفيق لم ترض عنها الأجيال المتأخرة.

والله موجود فى كل مكان بمعنى أنه يدبر كل شئ وتدبيره نافذ فى كل مكان، وهو لا يرى، وسيراه المؤمنون بقلوبهم فى العالم الآخر. وعلم الله لا نهاية له فيما يخص علمه ذاته، أما علمه بخلقه فمحدود بحدود خلقه وخلقه له كلٌ ينتهى إليه، (وإذا لم يكن ينتهى لما كان له كل)، وينطبق هذا على القدرة الإلهية. وقد جهد أبو الهذيل فى أن يوفق بين قول القرآن بالخلق من العدم ومذهب أرسطو فى الكون الذى يقول إن العالم بعد أن حركه الله قديم لأن الحركة قديمة قدم المحرك الأول نفسه. ومع تسليمه بأن الحركة هى مبدأ الكون فإنه يصرح بأن الكون خلق على نحو ما بيّن القرآن، ومن ثم فإن الحركة أيضًا ستبلغ نهايتها وتنقطع، وهذه النهاية جعلها الله فى العالم الآخر بعد اليوم الآخر، وإذ تنقطع الحركة تصير الجنة والنار إلى سكون دائم خمودا، وتجتمع اللذات فى ذلك السكون لأهل الجنة وتجتمع الآلام فى ذلك السكون لأهل النار. وهذا المذهب العجيب الذى تقول الرواية إن أبا الهذيل نفسه أنكره، قد أجمع على رفضه كل المتكلمين المسلمين معتزلة وغير معتزلة، ولم تخف عليهم العواقب الخطيرة التى تترتب على أقواله فى علم الله الكلى