وقدرته الكلية. وفيما يخص أفعال الله فإن أبا الهذيل يقول إن الله قادر على الشر والجور ولكنه لا يفعلهما لرحمته وحكمته. والله يسع أفعال الإنسان الشريرة ولكن ليس هو فاعلها. فالإنسان قادر على اقترافها وهو مسؤول عنها، بل هو مسؤول أيضًا عن عواقب أفعاله التى تحدث على غير إرادته. (نظرية التولد التى كان أبو الهذيل أول من قال بها). فالكائن المسؤول هو الإنسان على إطلاقه روحًا وجسدًا.
وأبو الهذيل هو الذى استحدث فى أنظار المعتزلة فكرة "أعراض" الأجسام وفكرة الجوهر؛ وهاتان الفكرتان اللتان كان لهما فى الأصل مدلول مادى خالص قد جعلهما أبو الهذيل أساسًا لعلم الكلام الحق وعلم الكون وعلم الإنسان Anthropologie وعلم الأخلاق. وهذا أكثر ما استحدث أصالة وأشده خطورة، إذ هو الذى صبغ المذهب المعتزلى بصبغته الميكانيكية، فالحياة والنفس والروح والحواس الخمس كلها أعراض، ومن ثم فهى لا تدوم، بل إن الروح نفسها لا تدوم. وأفعال الإنسان يمكن أن تقسم إلى حالين وكلا الحالين حركة، وقال بتقديم الأولى فيفعل بها فى الحال الأولى وإن لم يوجد الفعل إلا فى الحال الثانية، فحال "يفعل" غير حال "فعلت"، فالعبرة إذن بالفعل الذى يحدث. والفعل الإلهى يفسر بمذهب الأعراض: فكل فعله فى العالم هو خلق سلسلة لا تنتهى من أعراض تحل فى الأجسام. على أن بعض الأعراض ليست فى مكان ولا فى جسد مثل الزمان والإرادة الإلهية. وهذه الإرادة هى عين كلمة "كن" التى تتعلق بالخلق الأبدى، وهى تتميز عن "المُراد" وعن "الأمر" الإلهى الذى يستطيع الإنسان أن يطيعه أو يخالفه (على حين أن سلطان كلمة الخلق "كن" مطلق: "كن فيكون" سورة البقرة، الآية ١١٧). وأولئك الذين لم يعرفوا ما نزل به القرآن وعملوا عملاً صالحًا أوصى به القرآن فقد أطاعوا الله دون أن تنعقد نيتهم على ذلك (المذهب القائل "طاعة لا يراد الله بها" وقد نسب فى غير ذلك من مصادر إلى الخوارج).