والقرآن عرضٌ خلقه الله، ومن حيث أنه مكتوب يتلى أو يحفظ فهو موجود فى أماكن مختلفة فى وقت واحد.
وفى مسألة "المنزلة بين المنزلتين" فإن أبا الهذيل قد اتخذ موقفًا يتفق والحالة السياسية فى عصره، فلم ينكر أحدًا من المقاتلين فى صف على ولكنه فضَّل عليا على عثمان. وقد نال الحظوة لدى المأمون فدعاه إلى بلاطه ليشارك فى المناظرات الكلامية.
أما مؤلفات أبى الهذيل فقد ضاعت كلها.
وكان لأبى الهذيل أثناء حياته الطويلة سلطان عظيم فى تطور علم الكلام، وقد جمع حوله عددًا كبيرًا من المريدين من مختلف الأجيال، أشهرهم النظّام وإن كان قد تشاحن مع شيخه لسبب أنظاره الهدامة فى الجوهر الفرد. وأدانه أبو الهذيل وكتب عدة رسائل فى حقه. ونذكر من مريدى أبى الهذيل أيضًا يحيى بن بشر الأرجانى والشحّام وغيرهما. وظلت مدرسته قائمة مدة طويلة، بل إن الجُبّائى قد اعترف بعدُ بفضل مذهب أبى الهذيل فى علم الكلام بالرغم من المسائل العديدة التى كان يختلف فيها معه.
ومن المؤسف أن مذهب أبى الهذيل فى الكلام قد تعرض لحقد مرتد عن الاعتزال هو ابن الراوَنْدى المشهور الذى شوه هذا المذهب فى كتابه "فضيحة المعتزلة"، وذلك بنقده فى كثير من الأحيان نقدًا رخيصًا غاية الرخص. وقد نقل هذا التشويه على علاته البغدادى فى كتابه "الفرق بين الفرق"، كما نجده يتردد كثيرًا فى المختصرات التى كتبت عن المعتزلة. ونحن لا نستطيع أن نكشف القناع عن فعلة ابن الراوندى وأن نخرج بفكرة دقيقة عن المقاصد الحقيقية لمذهب أبى الهذيل إلا إذا استعنّا بكتاب "الانتصار" الذى ألفه الخيّاط وسل فيه سيف الثقد الصارم على ابن الرواندى وقد نقل الأشعرى فى "مقالات الإسلاميين" أقواله فى حيدة جديرة بالإعجاب وفقًا للمأثور من مذهب المعتزلة. أما الشهرستانى فقد أقام عرضه على المأثور المتأخر لمذهب المعتزلة، معتمدًا فيما يظهر على الكَعْبى خاصة.