ثلاثة فصول حسنا وهي التي تختتم بها قصة حي بن يقظان.
ويمكن من ثم استيعاب وحدة القصة: إنها هي نظرية الصور التي قال بها ابن سينا. وكذلك هي ثمرة العقل الفعال الذي هو منتهي العقول الخالصة، والصور المادية هي قوام العالم الأرضى، أما الصور العقلية فهي التي تتيح معرفة الكون معرفة تختص بها نفس الإنسان الناطقة، وبها يستطيع أن ينفذ إلى ما وراء ما تحصله الحواس. ومع أن الصور المادية للأجرام السماوية، وصور العقول الخالصة تسمو فوق العقل الفعال، والعالم الدنيوى، فإنه من المستطاع معرفتها. ومن ثم فقد وجدنا أن الغاية من قصة حي بن يقظان هي أن تحمل في طياتها نظرية ابن سينا في المعرفة في أسمى درجاتها، أي معرفة العلة الأولى وواجب الوجود.
ومن ثم، يسهل تبين مرمى الاسم الذي أطلق على القصة، ذلك أن حي بن يقظان اسم علم للعقل الفعال "حي", ولما كان ابن سينا يضع كمال الحياة في العقل والفعل فقال:"ابن يقظان" لأن اليقظة تنبعث من العقل الخالص الذي لا يعرف النوم أو الغفلة. ويرتبط هذا الاسم ارتباطا وثيقا بنظرية الفيض الخلاقة التي قال بها الفارابى وابن سينا. والعقل الفعال هو أيضا الذي يتوسل بالمعرفة التي تسمو فوق العالم المحسوس، إلى هداية النفس إلى العلة الأولى والخالق الذي يشرق بنوره علي جميع الكائنات.
وفيما يأتي نص القصة (١):
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وما توفيقى إلا بالله وإليه أنيب، وبعد فإن إصراركم معشر إخوانى على اقتضاء شرح قصة حي بن يقظان هزم لجاجى في الامتناع وحل عقد عزمى في المماطلة والدفاع فانقدت لمساعدتكم وبالله التوفيق.
(١) آثرنا ان ننقل قصة حي بن يقظان بنصها من كتاب "حي بن يقظان" لابن سينا، وابن طفيل، والسهروردى. تحقيق وتعليق أحمد أمين، لجنة التأليف والترجمة والنشر. القاهرة سنة ١٩٥٨.