كانت عظيمة غاية في الخطر. وقد تركزت هذه الأعمال العلمية في المعهد العلمي المصري Institut Egyptien الذي أنشأه بونابرت في القاهرة في ٢١ أغسطس سنة ١٧٩٨ (انظر بريييه Bre- L'Egypte de ١٧٩٨ - ١٩٠٠: hier ص ٦٥ - ٨٠).
وكان ما قامت به هذه البعثة من بحوث في "أحوال مصر الحاضرة" هو الأساس الذي بنى عليه كل ما يعلمه الأوربيون عن مصر الحديثة (ومن أمثلة ذلك البحوث الوافية التي قام بها ليبر Lepere عن إمكان شق قناة تصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر). على أن أثر الفرنسيين المباشر، في أثناء هذه الفترة، في تطور مصر الثقافي يكاد يكون معدوما. ذلك أن الفوارق العظيمة بين الحضارة الشرقية والحضارة الغربية كانت أكبر من أن تجعل لهذا العهد الأول أثرا محسوسا في تطور البلاد الثقافي. كما يتبين المرء ذلك بوضوح عندما يقرأ وصف الجبرتى لعهد الاحتلال الأجنبي.
ولما غادر الجيش الفرنسي البلاد تجدد النزاع القديم بين الولاة الأتراك والبكوات المماليك الذين أرادوا بمساعدة الإنكليز أن يستردوا ما كان لهم في مصر من السلطان. ولما مات مراد بك أصبح عثمان بك البرديسى أكبر زعمائهم. أما الأتراك فكانوا بطبيعة الحال يرغبون في أن يغتنموا هذه الفرصة السانحة ليمكنوا لأنفسهم في البلاد، لكن طرائق الحكم التي كانوا يسيرون عليها، وعجز الولاة الذين تعاقبوا عن أن يكبحوا جماح جنودهم لقلة ما لديهم من المال، كل ذلك أفاد البرديسى وشيعته إلى حين. وكان حماته الإنكليز قد جلوا عن البلاد في شهر مارس من عام ١٨٠٣، ولكن محمد على وجنوده الألبانيين كانوا من أكبر أنصاره. وقد استطاع البرديسى والشيخ المعمر إبراهيم بك بفضل هذه المعونة أن يوطدا أقدامهما في القاهرة، فلم يكن لولاة الباب العالى سلطان إلا في بعض أجزاء الوجه البحرى. على أن واحدا من الولاة الذين أرسلوا إلى مصر في آخر ذلك العهد، وهو خورشيد باشا، استطاع أن يقيم في قلعة القاهرة بعض الوقت حتى أخرجه