للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منها محمد على آخر الأمر بفضل ما كان له من نفوذ أخذ في الازدياد.

ولما انقضت خمس السنين الأولى ذات النتائج السلبية استهل القسم الثاني من أقسام التاريخ المصرى في القرن التاسع عشر، وهو من أعظم العهود خطرا في مصائر البلاد. وكان أهم النتائج السياسية التي أسفر عنها حكم محمد على أنه أقام في مصر أسرة حاكمة. نعم إن الأعمال التي قام بها لخير مصر لم تكن إلا وسائل لتحقيق مطامعه، ولكن هذه الأعمال قد كان لها مع ذلك أعظم الأثر في تاريخ البلاد (١) فقد أطلق محمد على القوى التي شكلت مصير البلاد كما قرر بنفسه مصير أسرتها الحاكمة. وفي وسعنا أن نلخص أعماله في مصر في نقطتين:

أولاهما: تعبئة القوى الوطنية للمصريين أنفسهم.

وثانيتهما: الاستعانة بالمعلمين الأوربيين والأساليب الأوربية.

ونستطيع أن نقول إن مصر من بداية حكم محمد على إلى عهد الاحتلال البريطاني كانت أكثر تعرضا لنفوذ الأتراك منها في جميع العهود السابقة (٢) ومهما يكن ما في نظام الحكم الذي أقامه الوالى من التأثر بشخصيته ومن مظاهر استقلاله فإن أساليبه الإدارية وذوقه الشخصى وذوق بطانته كانت كلها متأثرة بتقاليد الدولة العثمانية (وإنا لنذكر على سبيل المثال المسجد المسمى بمسجد المرمر الذي شيده محمد على في قلعة القاهرة على طراز مساجد الآستانة). وكان اتساع أملاك محمد على بين عامي


(١) من أغرب الأمور أن يحكم الكاتب على نيات محمد على كأنما كان مطلعا على ما في نفسه فعرف منها البواعث الخفية التي كانت تدفعه إلى هذه الأعمال التي يقر هو نفسه بأن مصر جنت منها الخير الكثير.
(٢) ذلك في رأينا ما لا يؤيده الدليل. فقد بدأت، الثقافة الغربية تنتشر في مصر على يد الأساتذة الأوربيين الذين استقدمهم محمد على من أوربا وعلى يد الطلاب الذين أوفدهم محمد علي للتعلم في المدارس الأوربية، وعلى يد رجال الأعمال الأوربيين الذين عهد إليهم محمد على بمشروعاته العمرانية الكثيرة. ويخيل إلينا أن الكاتب نفسه في هذه الفقرة يناقض نفسه.