للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خطبة الجمعة وهو: "قال أبو رفاعة: انتهيت إلى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وهو يخطب قال فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه، قال فأقبل على رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتى بكرسي حسبت قوائمه حديدًا، قال فقعد عليه رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] وجعل يعلمنى مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها" (مسلم: كتاب الجمعة، حديث ٦٠) وهذا الحديث على ما له من الأهمية يؤكد عدم وجود المنبر (١) وتعطينا أحاديث أخرى من هذا القبيل صورة بسيطة مماثلة لصلاة الجمعة، كتلك التي أوردها مسلم (كتاب الجمعة، أحاديث ٥٤ - ٥٩) وهي تصف النبي [- صلى الله عليه وسلم -] عندما يدخل عليه المسجد رجل وهو يخطب فيسأله النبي [- صلى الله عليه وسلم -]: أركعت الركعتين؟ ومن الجلى أن الغرض هن ذلك إنما هو الإبانة عن أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] يهتم كثيرا بركعتى السنة [وهما تحية المسجد] (٢).

ومهما يكن من أمر نعتقد أن النظام المحدد للصلاة يوم الجمعة والعيدين إنما نشأ بعد وفاة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (٣).

وحسبنا أن نورد هنا ملاحظ قليلة بدلا من إيراد تاريخ للخطبة الدينية الإِسلامية، فإن خطبتى النبي [- صلى الله عليه وسلم -]


(١) هذا الحديث لا يدل على شئ مما يرمي إليه كاتب المقال، فلا هو يدل على عدم وجود المنبر، لأن الراوى لم يذكر ذلك، بل اقتصر على المهم من قصته، وهو أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ترك الخطبة وأقبل عليه يعلمه ما أراد أن يعلم من دينه، ثم عاد إلى خطبته. وهذا وذاك من عمل الرسول المعلم المبلغ عن ربه، ومن عمل الإمام الأعظم، ومن عمل الوالى النائب عنه. فلا شيء منه ينافي ما شرعت من أجله الخطبة في الجمعة والعيدين وغيرها. ثم لو كان يؤخذ من هذا الحديث عدم وجود المنبر لم يكن بذلك بأس؛ لأن المنبر لم يصنع للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] من أول دخوله دار الهجرة، بل صنع بعد ذلك بدهر.
(٢) شأن الركعتين عظيم، وهما تحية المسجد ولكن المعنى فيما فعل رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] في سؤاله هذا الرجل وأمره بهما، فهو كما قلنا من قبل، أن الخطبة جعلت للتعليم والتبليغ والوعظ وما إلى ذلك مما بينا.
(٣) هذا غير صحيح، كما أوضحنا من قبل وإنما يدور كاتب المقال حول شيء واحد، يدور حوله معظم المستشرقين، وهو أن شعائر الإِسلام وشرائعه كلها مقتبسة من عادات قديمة ومن ديانات سابقة. وقد رددنا على ذلك في أكثر من تعليق على هذه الدائرة وأما بعد ذلك، فمناقشة كاتب المقال فيما سيذكر من (المثل المستقاة من اليهود والنصارى) فلا جدوى منها لأنها فروض لم يسق عليها أي دليل.
أحمد محمَّد شاكر