إن النبي أفضى لعلي بعلم لدنى أسره علي لولده، وانتقل على هذا النحو من جيل إلى جيل. ولكل إمام صفات تفوق صفات البشر ترفعه فوق مستواهم، وهو يهدى المؤمنين بحكمة معصومة من الخطأ، وأحكامه مطلقة لا مرد لها. ويعزو البعض ارتفاع عليّ على سائر البشر إلى اختلاف جوهره، ذلك أن الله منذ أن خلق آدم انتقل قبس من النور الإلهي وأخذ يحل في شخص مختار يظهر في كل جيل، وهذا القبس حل في على ثم هو يحل في كل إمام يخلفه. وقد تشعب مذهب الشيعة تشعبا كبيرًا انظر الشهرستانى، كتاب الملل والنحل، ص ١٠٨ وما بعدها؛ ابن خلدون، المقدمة، جـ ١، ص ٤٠٠ وما بعدها)
(جـ) أما الخوارج فهم على نقيض الشيعة لا يحصرون الخلافة أو الإمامة في قبيلة أو بيت بعينه، بل يقولون إن كل مسلم أهل للخلافة وإن كان أعجميًا أو عبدًا. وهم إلى ذلك يختلفون عن سائر المسلمين بقولهم إن قيام الإِمام ليس من الفروض الدينية، وإن الجماعة الإِسلامية تستطيع في أي وقت من الأوقات أن تقوم بجميع الفروض الدينية وأن تكون لها حكومة مدنية مستكملة لجميع الصفات الشرعية من غير أن يقوم فيها إمام على الإطلاق. فإذا ما رأت هذه الجماعة في ظروف خاصة أن من المستحب أن يكون لها إمام أو أوجبت الضرورة ذلك فلها أن تختار من يلي هذا المنصب، فإذا تبينت أنه ليس أهلا لهذا المنصب على أي وجه من الوجوه فلها أن تعزله أو تقتله (انظر الشهرستانى، كتابه المذكور، جـ ١، ص ٨٥ وما بعدها).
وقد تجلت كل هذه النظريات التي عرضنا لها فيما سبق في صور مختلفة من صور النظم السياسية التي قامت فعلا، على أن ثمة مذاهب أخرى عن الخلافة لم تخرج قط عن حيز التفكير النظرى، وخاصة تلك المذاهب التي قال بها أئمة المعتزلة كقولهم إن منصب الخلافة يجب أن يترك شاغرًا إبان الفتن ولا يشغل إلا في عهود السلام، أو كقولهم إن الإِمام لا يكون إلا باتفاق أهل