فإننا نجد أن صفة هذه الرباطات قد تغيرت في الشرق، أى في البلاد التي أصبحت بنجوة من تهديد الكفار، وعزف أهله عزوفًا تامًا عن التدريب العسكرى واستبدلوا به حياة قوامها الزهد والتقشف وترديد الصلوات التي كانت سنة الرباطات القديمة. وقد كان تطور التصوف وتشعب المتصوفة فرقًا وطرائق منذ القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) أو القرن الَّذي سبقه هو العلة التي بررت استمرار هذه الثكنات باتخاذها زوايا وتكايا. وهذا التطور الَّذي أصاب الرباطات، وكان منشؤه في بلاد فارس أخذ ينتشر منها إلى العالم الإسلامى كافة. وفى المشرق اندمج الرباط في الخانقاه المأثورة عن الفرس. ويشير ابن جبير (طبعة رايت Wright ودى غوى de Goeji ص ٢٣٤) إلى خانقاه أنشاها الصوفية في رأس العين إلى الشمال من صحراء
الشام، وكانت تعرف أيضًا باسم الرباط. على أننا إذا وجدنا كاتبًا من الكتاب مثل ابن الشحنة يصف حلب ويفرق فيما يبدو بين الخانقاه والرباط فإن هذا التفريق يغيب عن أذهاننا.
ويحق لنا أن نذب إلى أن الخانقاه كانت مستقرًا دائمًا لأناس يقضون فيها كل حياتهم، في حين أن الرباطات كان ينزلها رجال من الصالحين مددًا محدودة كما ذكرنا من قبل. على أننا لا نستطيع أن نجزم بأن ذلك هو الفارق بينهما. ومهما يكن من شيء فإن
الرباطات الأربعة القائمة في مدينة حلب أكان أحدها ملحقًا بمدرسة من مدارسها وبضريح منشئه وكان بالضريح قراء وصوفية) قد فقدت كل صفاتها الحربية، وكان هذا هو حال الرباطين القائمين بمكة، وهما اللذان ذكرهما ابن بطوطة. أما في القاهرة فإن
الكتابة الوحيدة التي وجد فيها فان برشم Van Berchem ذكر الرباط، فهي الكتابة المنقوشة في زاوية الملك أشرف
إينال (٨٦٠ هـ = ١٤٥٥ م)
وقد بلغت موجة التصوف الشرقى إلى بلاد البربر في القرنين الحادى عشر والثانى عشر. واحتفظت هذه البلاد أيضًا بكلمة رباط، ولكنها كانت تطلق فيها على الزاوية وهي المكان