الاتحاد بالنفس الكلية ومشاهدة العقل والله يتيحان للنفس سعادة عليا تشتاق إليها، فهى لها مهمة إلهية، وهى إذا هبطت إلى عالم الحس فإنها تتلقى قوة من أعلى تساعدها على تكوين البدن وتدبيره، فإن لم تسرف فى الهبوط حصلت منه على فائدة واستفادت منه معرفة، لأنها عند ذلك تعرف ما لها من قوة كانت نائمة، كما تعرف طبيعة هذه القوة، وهذا هو عين غايتها، وهى أن تعرف ذاتها وتعرف عالمها. فرحلتها فى عالم الحس رحلة تدريب لها. ولذلك (ص ٨٠) لا يصح أن تُذَم النفس الجزئية ولا أن تُلاَم على تركها العالم العقلى ومجيئها إلى هذا العالم، لأنها جاءت إليه لكى تزينه وتبدى طبيعتها، وهى بعد أن تتم عملها ترجع إلى عالمها.
وكل من التفسيرين المتفائل والمتشائم فيما يتعلق بمصير النفس قد أثَّر فى المفكرين المسلمين، فالتشاؤم سائد عند الغنوصيين (Gnostics)، وإخوان الصفا وكثير من الصوفية، على حين أن الفلاسفة منذ الفارابى يزدادون ميلا إلى التفاؤل. وليُلاحَظْ أن مصطلحات كتاب أثولوجيا لم يؤخذ بها كلها، فمثلا لا نجد كلمة "الرجوع" إلا عندما نستطيع أن نتعرف من السياق على أثر للمذهب الأفلاطونى الجديد.
ولكن كلمة "الرجوع" لم تصر مصطلحاً فنياً بالمعنى الحقيقي، ونجد فى العادة بدلا منها ومن كلمة "مرجع" كلمة "معاد" و"عَود"، وهما يُؤَوّلان بأنهما رجوع بالمعنى المعروف فى المذهب الأفلاطونى الجديد.
ومن المعروف حق المعرفة أن آراء إخوان الصفا تدور كلها تقريباً على أن النفس جوهر روحانى وأنها باقية. وقد أشار جولد سيهر (Vorlesungen ص ١٣، ١٦٣؛ , Koranauslegung ص ١٨٣ وما بعدها) إلى ذلك فى كثير من
الأحيان إشارة صريحة وقد خصص إخوان الصفا القسم الثالث من رسائلهم كله للنفس (للمعاد خصوصا، الرسالتين الثانية والثلاثين والثامنة والثلاثين وما بعدها، طبعة بومباى) وعنوان الرسالة الثامنة والثلاثين هو: