إلى مادة متفرقة موجودة فيما حفظ لنا من بقايا القصائد القديمة والأشعار الشعبية، لا تزال حتى يومنا بعيدة كل البعد عن الكمال والشمول، ولا يمكن بحال أن تعتبر مرضية جديرة بالثقة من جميع الوجوه. وهناك دلائل كثيرة -وخصوصًا معانى معظم أسماء الشهور العربية القديمة (صفر الأولى والثانى، ربيع الأول والثانى، جمادى الأولى والآخرة، رمضان) - تدل على أن السنة العربية القديمة كانت تشبه السنة العبرية (السنة التشرية) بعض الشبه، غير أنه يجب علينا أن نلتزم القصد إذ ليس من المأمون أن نقول إنه كان يوجد فى جزيرة العرب فى العصر القديم تقسيم زمانى معمول به فى الجزيرة كلها. أما الذى لا شك فيه فهو أن قبائل الأعراب لم تكن تستعمل فى الأصل سوى حساب الزمان المبنى على ملاحظة أوجه القمر، شأنها فى ذلك شأن الأقوام المتبدية الأخرى، أعنى أنه لم يكن عندها سوى ما يسمى السنة القمرية الخالصة. أما التوفيق بينها وبين السنة الشمسية فإنه لم يحدث إلا فى عصر متأخر عن ذلك. ويؤيد هذا الافتراض ما ذكره كثير من العلماء المسلمين (وقد استفاد محمود أفندى من هذه المادة فى بحثه الذى ظهر عام ١٨٥٨ فى المجلة الآسيوية. J. A السلسلة الخامسة، جـ ١١). فالبيرونى فى مؤلفه الآثار الباقية (طبعة سخاو، ليبسك ١٨٧٨) وقد اتفق فى الرأى مع جعفر بن محمد البلخى (فى كتابه المسمى كتاب الألوف فى بيوت العبادات) -وكان على علم بهذا الكتاب- ذلك أنه قال إن الانتقال من السنة القمرية الخالصة إلى السنة القمرية الشمسية وقع بتأثير السنة اليهودية قبل الهجرة بنحو من قرنين (١). أما نظرية محمود أفندى التى ذهب إليها فيما بعد (Mint. des Savants strangers de
(١) الآثار الباقية للبيرونى ص ٦٢. يقول البيرونى إن العرب، بعد أن كان حجهم يدور فى الأزمنة الأربعة أرادوا أن يحجوا فى وقت إدراك سلعهم من الأدم والجلود والثمار وأن يثبت ذلك على حال واحدة وفى أطيب الأزمنة وأخصبها "فتعلموا الكبس من اليهود المجاورين لهم. وذلك قبل الهجرة بقريب من مائتى سنة" [المترجم]