على خصمه جرير الذى كان أقل منه اقذاعا وأكثر لغوًا، ونقائضهما موضوع إقذاعًا. ويؤلف الأخطل وجرير والفرزدق "الطبقة الأولى" من الشعراء، وهى طبقة متفردة لم يجد نقاد العرب منذ ظهور الإسلام ما يقارن بها. ولكن النقاد لا يتفقون دائما فى المفاضلة بين هؤلاء الشعراء، والواقع أن هذا الموضوع كان مثار مناقشات متصلة عند نحاة العصر العباسى (البيهقى: المحاسن، ص ٤٥٧). فلو لم يكن الأخطل نصرانيًا هاجم الإسلام فى أشعاره لأجمع هؤلاء النحاة على تفضيله. وأسلوب الأخطل جزل رصين يذكرنا بالشعر الجاهلى؛ وشعره فى الهجاء والخمريات لا يضارعه فيه أحد. أما فى المدح فقد سمت به شاعريته إلى مرتبة لم يبلغها أضرابه الذين أسفّوا فى المدح. ونجد فى هذا التغلبى أخلاق رجل البلاط، مع أن نظرته للحياة كانت نظرة البدوى الذى يؤثر الظعن على الإقامة فى دمشق (الديوان، ص ١٢١، س ٦) ونعتقد أن ندرة ما فى أشعاره من الفحش الذى انغمس فيه أضرابه تفصح عن نصرانيته أكثر مما يفصح عنها حديثه. ولهذا استطاع الأخطل أن يقول كما قال نُصَيْب (الأغانى، ج ١، ص ١٤٥) أن الفتاة العذراء لا تتحرج من قراءة ديوانه. ويمكننا أن نأخذ عليه - كما نأخذ على الشَمّاخ والحُطَيْئَة (الأغانى، ج ٨، ص ١٠٢) - التكلف الظاهر فى بعض قصائده وجمودها والتواءها: فلم يكن الأخطل شاعرًا مطبوعًا، بل لم يحرص على أن يكون كذلك. وتعتبر قصيدته فى مدح الأمويين درة اشعاره (الديوان، ص ٩٨ - ١١٢) نجد فيها ذلك البيت الذى مجد فيه حلم خلفائهم:
شمْسُ العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلامًا إذا قدروا
(الديوان، ص ١٠٤، س ٨). وإذا كان الأخطل قد قلد القدماء وانتهب أشعارهم، فإنه لم ينتهبها قط بتلك الصفاقة التى عرفت عن الفرزدق؛ وهو يتغنى فى جزء من ديوانه (الديوان، ص ١٦، ١٢٩، ١٣٣، ١٣٥، ٢٦٨ - ٢٦٩؛ ديوانه المطبوع عام ١٩٠٥، ص ١٦٧ - ١٦٩؛ وانظر أيضًا أشعار القُطَامى ص ٢، ٨، ٩، ١٠، ١٣) بتقلبات حروب قبيلته مع القيسية الذين ناصروهم على كلب بادئ الأمر. واشترك الأخطل فى هذه