"ملوك سبأ"(للتعبير عن تحرر الملكية من الكهنوت) والذى يمكن تعيين بدايته بحوالى عام ٥٠٠ قبل الميلاد. وقد سبق أن ألمعنا إلى العصر التالى (الحميرى)، وهو عصر ملوك سبأ وذى ريدان (نسبة إلى تل ريدان أو حصنه الوراثى، ونجد الاسم فى السنسكريتية أيضا دريو دهنه [فى الكتاب الثانى من المهابهارتا] والعصر الأخير (من عام ٣٠٠ الميلادى إلى نهاية استقلال حضرموت وهو عصر "ملوك سبأ وذى ريدان وحضرموت ويمنات")
وكانت سبأ قد أخذت تغيب عن ذاكرة العالم العربى فى العهد الذى ظهر فيه الإسلام. وسرعان ما أضحت فى نظر الإسلام صدى من أصداء الماضى، بل جوهر العصر الجاهلى نفسه الذى أصبح موضع عناية العلماء وغيرهم، وكان السبب فى انهيار المملكة القديمة إلى غير رجعة، تلك المملكة التى كان الفرس والأحباش قد بدأوا فى تقويض دعائمها؛ وقد وجه الدين الإسلامى الجديد جلّ عنايته إلى محو كل ذكرى للعصر الوثنى، سواء النُصب الحجرية أو الآثار الأدبية ثم إن المحو لم يخل كذلك من الرغبة فى جر ذيول النسيان على اللغة القديمة؛ وهذا كله هو السبب، كما يقول شبرنكر بحق، (المصدر المذكور، ص ٢٤٤) فى أن البحث فى المصادر العربية عن أية معلومات وثيقة عن سبأ من قبيل الجهد الضائع؛ وقد قدر كليزر (Skizze: Glaser، جـ ٢، ص ١٥٩)، وهو أعظم من وفق إلى كشف النقوش، القيمة النسبية لشتى مصادرنا عن سبأ تقديرا دقيقًا لا تفاوت فيه إذ قال إنه لا يتاح لنا رسم صورة صحيحة للماضى بالرجوع إلى روايات العرب التى لا نجد فيها من المعلومات ذات القيمة إلا القليل، فضلا عن أنها مضللة فى أغلب الأحيان، أو بالرجوع إلى القصائد التى نظمت قبيل الإسلام وبعده مباشرة، وإنما يتاح لنا ذلك بالرجوع إلى "النقوش القديمة والروايات القليلة التى خلفها لنا الكُتاب اليونان والرومان فحسب؛ ويمكننا أن نقسم الإشارات القليلة التى وردت فى كتب المؤلفين العرب إلى قسمين كبيرين، يتألف أحدهما من بيانات جغرافية وتاريخية قيمة عن بقايا العمائر السبئية وتفصيلات عن تاريخ