عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية فى سبأ القديمة وفى سبأ الأحدث عهدا من دلك، فهى تتمشى مع النقوش والمصادر اليونانية والرومانية. وتتفق نتائج الاستكشافات التى تمت فى البلاد نفسها والمصادر المختلفة القديمة المكتوبة فى الدلالة على أن بنى سبأ بزوا شعوب العرب جميعًا فى علو الشأن قبل الإسلام، وخاصة الشعوب الأربعة فى جنوب بلاد العرب التى عرفها اليونان أنفسهم. وتتالف الآثار التى بقيت من تلك الحضارة التى كانت فى يوم من الأيام من أرقى الحضارات، والتى يرجع إليها معظم الفضل فى ما كان لسبأ من شأن فى التاريخ. من النقوش التى وجدت منذ قام أرنو Arnaud برحلته الاستكشافية، ومن التماثيل وآثار الأروقة ذات العمد، والقصور، والمعابد، وأسوار المدينة، والأبراج، والمرافق العامة وخاصة منشآت المياه ونحو ذلك، وهى تؤيد الصورة الرائعة التى رسمها أغاثر خيدس ومن جاءوا بعده من الكُتَّاب عن ثقافة بنى سبأ، بل إنها تدلنا فى الوقت نفسه على أن أساطير الروايات الإسلامية نفسها عما كان لمملكة بنى حمير من مجد لها سند من التاريخ. ومن الأدلة البارزة على ذلك فى كتب العرب وصف غمدَان فى الهمدانى، وقد سبق لنا ذكره، والإشارات الواردة فى الشعر إلى هذا الحصن الذى بلغ الإعجاب به حدًا عظيما (انظر Burgen: Muller, جـ ١، ص ٣٤٥ وما بعدها) وكذلك الإشارات إلى الحصون الأخرى فى سبأ مثل سَلْحين وبَيْنون، وقد أيدت شهادة النقوش وأوصاف العرب لحصون سبأ ملاحظات أغاثرخيدس عن العمائر الرائعة التى كانت للملوك والأشخاص فى سبأ. وتخلد هذه النقوش إلى حد كبير ذكرى بناء البيوت (والقصور) والحصون؛ وكان سد مأرب الأشهر من المرافق العامة التى أقيمت للنهوض بالزراعة مثل الحواجز والسدود؛ وقد قام أهل جنوب بلاد العرب القدماء بأعمال جليلة فيما يتصل بالرى إذ كانت زراعتهم تتوقف على الرى الصناعى، وكثيرا ما ورد ذكر هذه الأعمال فى نقوش جنوب بلاد العرب (انظر الإشارات التى جمعها هارتمان،