فخر الدين الرازى (توفى ٦٠٦ هـ = ١٢٠٩) بصرف النظر عن تلك الإشارات المتفرقة التى من قبيل ما ذكرناه لمرتضى الزبيدى آنفا، هى تفسيره للقرآن المعروف بمفاتيح الغيب، وهو يتناول السحر فى هذا التفسير تفصيلا عند كلامه عن الآية ١٠١ من سورة البقرة (١)، وهى الآية العمدة فى موضوع السحر. وكان الرازى متاثرًا بآراء المعتزلة إلى حد بعيد أدى به إلى قبول بعضها، وإن كان قد احتفظ فى النهاية بمذهب أهل السنة مشوبًا بتفلسف المتكلمين، ومطبوعًا بحبه الشديد للأقوال القائمة على التحليل المستندة إلى منهج (Goldziher) فى Der Islam جـ ٣، ص ٢٣٨ وما بعدها، Koranauslegung ص ١٢٣، ٢٠٣ والفهرس تحت كلمة مفاتيح). ويتجلى موقفه الجوهرى من السحر من كلامه عن المرأة التى ذهبت إلى هاروت وماروت فى بابل لتتعلم منهما السحر. فلما خرج منها إيمانها وصعد إلى السماء قالا لها: "ما تريدين شيئا يتصور فى وهمك إلّا كان، (مفاتيح الغيب، جـ ١، ص ٤٣٤ س ٢٦) ونخرج من ذلك بأن السحر فى جوهره عمل نفسى له آثار مادية. فما يتصوره الساحر فى وهمه يحدث. وقد ذكر الرازى فى الصفحات من ١٢٩ إلى ٤٣٤ أن السحر على أنواع: الأول سحر الكلدانيين، وكان يقوم على عبادة الكواكب وما للكواكب من تأثيرات. وزاد على ذلك كلمة فى رأى المعتزلة وردًا على رأيهم فى السحر؛ والثانى سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية أو أصحاب الرقى، ويؤيد هذا النوع ما لنفس الإنسان من أثر على جسمه وعلى أجسام غيره، وضرب الرازى لذلك سبعة أمثلة، كما ناقش إمكان الاتصال بالأرواح السماوية والنفوس الفلكية واستخدام هذه الأرواح فى السحر؛ والثالث هو الاستعانة فى السحر بالأرواح الأرضية أى بالجن. وهذا النوع (انظر ما ذكرناه عن السحر المحمود نقلا عن الفهرست) يعرف بالعزائم وعمل تسخير الجن؛ والرابع، هو التخييل والأخذ بالعيون؛ والخامس، هو الأعمال العجيبة التى تظهر من الآلات، ومن الأفعال التى تتم