حياة هؤلاء الناس وعاداتهم تنبئ عن صلة وثيقة بما جاء وصفه فى الشعر العربى القديم وفى كتب الرحلات الخاصة ببلاد العرب.
أما أوجه الخلاف التى لا يمكن مع ذلك إغفالها فيرجع بعضها إلى اختلاط هؤلاء العناصر النوبية والبجَويّة بهؤلاء الأقوام، كما يرجع بعضها الآخر إلى تكيفهم بالبيئة الجديدة. وأبرز هذه القبائل هى قبائل شمالى كردفان (الكبابيش، ودار حامد، وحَمَر)، وقبائل اللحويين وهى ممثلة فى كردفان وكسلا، وقبائل بُطانَة (شُكْريَّة، وبَطاحين) وقبائل مديرية كسلا التى تتحدث بلغة السبجَة، وقبائل بنى عامر على حدود إريترَية، وتتحدث بالتكرى.
(ب) رعاة الماشية الرحل (البقّارة). وهم وإن كانوا يردون نسبهم إلى الأصول نفسها التى انحدر منها رعاة الإبل، فإنهم يختلفون عنهم لا فى طريقة الحياة فحسب بل فى مظهرهم الطبيعى ولهجتهم. وهم موزعون فى منطقة واسعة إلى الجنوب من خط عرض ١٣، إذ ينتشرون من النيل الأبيض عبر جنوبى كردفان ودارفور ويتجاوزون حدود السودان المصرى الإنجليزى (١) حتى واداى وبُرنو. وهم يتصلون اتصالا وثيقًا فى مناطق رعيهم الجنوبية بالقبائل الزنجية فى النيل الأعلى وبحر الغزال ويظهر أن دماءهم قد اختلطت بدماء السود اختلاطًا أكثر من غيرهم من عرب السودان. "ورجالهم فى العادة غلاظ الشفاه، فطس الأنوف. . . أما لون البشرة السائد فى كل مكان فهو إلى الدكنة أكثر منه إلى الخفة" (G.D.Lampen) على أنهم قد أفلحوا، على ما يذكر هذا الكاتب نفسه، فى الاحتفاظ باعتزازهم بنسبهم، "والفرد منهم على الرغم من وجود بعض السمات والخصائص الملحوظة يدرك دائمًا ذلك الشبه القوى بين فروع الجنس العربى الكبير إدراكًا يصح معه أن نعد كتاب دوتى (Arabia Deserta: Dought) بمثابة مقدمة عظيمة القيمة تصلح لتناول حالة البقارة". واهتمامهم الرئيسى موجه إلى
(١) هذه التسمية أصبحت الآن مجرد تعبير تاريخى بعد استقلال السودان. [م. ع]