للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العرب (١) وهما يشتركان فى ذلك الأسلوب العذب المرسل على السجية، وفى الجنوح إلى قطع حبل الرواية وتقسيمها إلى عدد من الحوادث مع وفرة الشواهد الشعرية (انظر Islamica, جـ ٢, ١٩٢٦ م ص ٣٠٨ - ٣١٢) ولا يستطيع المرء أن ينكر على مثل هذا النوع من الكتابة الصفة التاريخية، ولكنه يجب أن يُذكر فى هذا الصدد أننا لا نتناول التاريخ موضوعًا فى إطار من التسلسل التأريخى أو مرتبًا وفقا لخطة موضوعة، وإنما نتناول سلسلة من "المذكرات الحربية" نجد فيها التصوير الصادق (وإن غلبت عليه الذاتية فى كثير من الأحوال) والوصف الواقعى لحادثة مقترنا بوصف لحادثة أخرى،


(١) يقول الكاتب "ليست هذه المغازى إلا استمرارًا وتطورًا لأيام العرب" ويمضى فيصف التشابه بين السيرة وأيام العرب فى الأسلوب والتنسيق. . . والشواهد الشعرية. . الخ. . وهذا القول منه إنما هو تتمة للصورة التى حاول رسمها سابقا. فانصراف الاهتمام إلى تخليد ذكر المغازى - مغازى القائد الأمير المحارب. . الخ على غرار ما كان يفعل العرب فى الجاهلية. . انصراف الاهتمام إلى هذا التخليد هو السبب عنده فى نشأة محصول وافر من قصص تحفل إلى حد كبير بالمغازى. . وليست هذه المغازى إلا استمرارًا وتطورا لأيام العرب. . الخ.
وفى هذا التفكير والأداء أشياء كثيرة تستوقف الناظر فيه: فنشأة المحصول الوافر من القصص المتصلة بحياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. . الخ. شئ يستوقف القارئ، ولكنا ندع الكلام عن هذه القصص واتهامها إلى أشباه لها سترد فيما يلى. . ونقف هنا عند جعله هذه المغازى استمرارًا وتطورًا لأيام العرب. . فالكاتب بعد ما صور محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه فى نظر جل أتباعه أمير محارب لا يختلف عن أمراء الجاهلية -على ما ناقشناه فيه قريبًا- يضيف إلى هذه الصورة أن مغازيه -أو قصص مغازيه- ليست إلا استمرارًا وتطورًا لأيام العرب. . يعنى فى الجاهلية. والحق أننا لا نعرف كيف يجد الكاتب الشجاعة على إلقاء مثل هذا القول. . فهل كانت الحركة الإسلامية فى حياة العرب استمرارًا متصلا لحياتهم فى الجاهلية؟ وهل كانت حركاتهم الحربية فى الإسلام -مهما يكن الرأى فيها- استمرارًا لحروبهم الجاهلية التى كانت لهم فيها تلك الأيام؟ وهل لا يدخل فى حساب الكاتب بشئ ما هذا الضجيج الهائل الذى ادعته الحركة الإسلامية لنفسها من تأليف قلوب العرب بعدما كانوا أعداء، على شفا حفرة من النار، ثم ما نادت به الحركة الإسلامية من عموم دعوتها وتوجيهها إلى من حولها من الأمم والحكام؟ لو لم يكن فى الأمر إلا هذه المزاعم والادعاءات -ونسميها كذلك مسايرة لكل منكر- لكان هذا كافيا لأن يدل على شئ ما أصاب هؤلاء الجاهليين فغير من أمرهم حتى لا يعود من اليسير على حامل قلم أن يعتبر مغازيهم تحت ظل هذه الدعاوى كحرب البسوس بينهم، أو حرب داحس والغبراء فى الجاهلية! إن مثل هذا القول مما يشعر أشد الناس تحاملا على هؤلاء العرب ودعوتهم، وداعيها، بأن =