لرفضه إصدار فتوى بتحليل أن يقتل الأخ أخاه، ولكن هذه الامتيازات ردت إلى المفتى فى عهد خلفه. وقد أمر مراد الرابع بقتل المفتى آخى زاده حسين (١٦٣٢) دون أن يرعى حرمة لجلال المنصب. وكان المفتى عبد الرحيم أفندى هو الذى عمل على خلع إبراهيم الأول وقلله بعد ذلك بستة عشر عاما، ولو أن فعلته هذه قد أفقدته منصبه.
وكان آخر مفت استطاع أن يحتفظ بمنصبه سنين طوالًا متعاقبة هو أبو السعود (١٥٤٥ - ١٥٧٤ م). وقد تعاقب على المنصب بعد ذلك عدة أشخاص لم تدم ولايتهم له إلا فترات قصيرة قدرها ثلاث سنوات أو أربع فى المتوسط. ومنذ بداية القرن السادس عشر الميلادى، أصبح من الممكن أن يتولى الشخص الواحد منصب المفتى عدة مرات.
أما التغيير المطرد الذى ألم بهذا المنصب، فقد أصبح شيئا فشيئا متصلا بالمؤامرات السياسية التى يدبرها الصدور الأعظمون، وحريم السلطان، والانكشارية، وهى مؤامرات كان يتورط فيها المفتون أنفسهم تورطا كبيرًا مثل المفتى المشهور قره جلبى زاده، على أن أغلب هؤلاء كانوا من أهل الاستقامة، ولو أن استقلالهم السياسى أصبح فى معظمه وهما من الأوهام.
وغدا المفتون جميعا منذ أوائل القرن السادس عشر من أهل البلاد العثمانية وكانوا ينتمون، شأن العلماء كلهم، إلى أسر من المسلمين، وهم يتميزون فى ذلك عن كبار عمال الدولة وكبار ضباط الجيش الذين كانوا فى كثير من الأحوال من أبناء نصارى جندتهم الدوشرمه. وبعد ذلك كان المفتون ينتمون فى بعض الأحيان إلى أجيال مختلفة من أسرة واحدة. وكانوا فى الغالب يحصلون على المشيخة الإسلامية (مشيخت إسلامية) بعد أن يتقلبوا فى مناصب القضاء العليا ومن ثم فإن معظم المفتين كانوا من قبل قضاة عسكر قبل أن يلوا منصب الإفتاء. وقد خلقت هذه السنة غيرة طائفية بين العلماء وشيخهم، بدت كثيرًا فى صفحات التاريخ. واختلف الأمر فى منصب شيخ الإسلام عن السنة التى