استقرت بمضى الزمن بالنسبة لوظائف القضاء العليا، فلم يعد هذا اللقب يمنح لشخص إلا إذا قبل المنصب فعلا (ولا نعرف استثناء لذلك إلا حالتين اثنتين).
وتجلى جلال منصب شيخ الإسلام فى الدولة فى المحافل الرسمية، فقد كان يعد فى نظر قانون المراسم أبا حنيفة زمانه لا يتقدم عليه إلا الصدر الأعظم. وفى القرن الثامن عشر لم يكن يفرض على المفتى أن يؤدى الزيارة إلا للصدر الأعظم فحسب؛ وكانت زيارته للصدر الأعظم وللسلطان تتبع فيها مراسم دقيقة وكذلك حددت حقوق وواجبات المفتى فى المحافل الدينية، مثل دفن السلطان، وبيعة السلطان الجديد وارتقائه أريكة السلطنة. وكان له عدة ألقاب أخرى علاوة على لقب شيخ الإسلام أقدمها استعمالا مفتى الأنام، ثم أعلم العلماء، وبحر علوم شتى، وأساس أو أفضل الفضلاء، وصدر الصدور، ومسند نشين (١) فتوى. وكان ملبسه يتميز دائما بالبساطة. وكان المفتى المتقدم فى العهد ملاخسرو (المتوفى سنة ١٤٨٠ م) يضع عمامته فوق تاج الأمام الأعظم (الشقائق النعمانية، ص ١٣٧). وكان المفتى من بعد يرتدى قفطانا أبيض موشى بالفراء وعمامة مزينة بشريط من القصب (وثمة عدة صور لملبسه فى كتب من قبيل voyage pittoresque de la Grece: Choiseul Gouffier، جـ ٢، ص ٤٩).
وكانت الوظيفة السياسية لشيخ الإسلام مقصورة فيما مضى على سلطانه فى إصدار الفتاوى. ولم يلبث أن حل محله فى إجابة الأفراد ما يسألونه من فتاوى أمين الفتوى (مفتى أمينى انظر ما يلى)، على أن الفتاوى التى يصدرها المفتى فى المسائل السياسية أو الأمور التى تتعلق بالصالح العام كان لها شأن خطير.
ونضرب مثلا للنوع الأول: الفتوى التى أصدرها على جمالى فى شأن الحرب التى شنت على مصر (١٥١٦ م) والفتوى التى أصدرها أبو السعود بخصوص الحرب على البندقية (١٥٧٠ م). وفى عهد السلطان عثمان
(١) عبارة معناها مسند الفتوى الركين. (عبد النعيم حسنين)