فحسب بل كانت موجهة أيضًا إلى العالم الإسلامى بأسره، وتكشف هذه الحقيقة عن تصور جديد أشمل لفكرة الجامعة الإسلامية التى تنطوى عليها مشيخة الإسلام العثمانية وهو تصور نما على ما يظهر فى تركية فى غضون القرن التاسع عشر. والراجح أنه كان متصلا بالنظريات الجديدة فى الخلافة. وكما هى الحال بالنسبة لهذه النظريات فإننا نجد أن أول من عبر عن فكرة ما لشيخ الإسلام من أهمية كبرى فى نظر العالم الإسلامى بأسره هم الكتَّاب الأوربيون النصارى فقد قارنه رحالة القرن السادس عشر (مثل ريكو Ricaut) بالبابا وعده فولنى (Volney: Voyage en syrie، باريس ١٧٨٩/ ١٧٩٠ م، جـ ٢، ص ٣٧١)، الممثل الروحى لسلطة الخليفة فى نظر العالم الإسلامى جميعًا. والحق أن فتوى المفتى هى، من الناحية الشرعية، موجهة إلى كل مسلم يريد أن يتبعها، ولكنه لم يحدث إلا فى سنة ١٩١٤ أن بذلت المحاولة التى ترمى إلى الاستفادة من السلطة الروحية العالمية التى نسبها فى ذلك الوقت النصارى والمسلمون على السواء لشيخ الإسلام فى الآستانة (Verspride GesChriften: Snouch Hurgronje، جـ ٣، ص ٢٧٢).
وكان للمفتى، بوصفه رأس طبقة العلماء الحق فى أن يرشح لأشخاص السلاطين من يقتضى الأمر تعيينهم فى مراتب القضاء الستة العليا ولم يكن هو نفسه يتولى القضاء إلا فى أندر النادر.
فلما شرعت الإدارة فى الدولة العثمانية تأخذ بالأساليب الحديثة أنشئت بالتدريج مصلحة إدارية على رأسها شيخ الإسلام، وما إن وافى هذا الوقت حتى كان ثمة عدة أشخاص يساعدون المفتى فى أداء واجباته الكثيرة، مثل الكتخدا أو الكيايا الذى يستطيع أن يمثل المفتى، والتلخيصجى الذى كان وكيله فى الحكومة، والمكتوبجى أى كاتب السر العام؛ وأمين الفتوى (فتوى أمينى) الذى نيط به إعداد الفتاوى التى يطلبها الجمهور ويتولى إصدارها. وكان لكل هؤلاء العمال مناصبهم؛ وفى عهد "التنظيمات" أحكمت روابط هذا النظام الإدارى، وجعل مقر شيخ الإسلام الرسمى فى المكان الذى كان مخصصًا