حتى اشتهر عنه ذلك. والعطار نفسه يقول فى هذا المنبع من منابع ثقافته: ؛ وقع فى زماننا أن جلبت كتب من بلاد الإفرنج، وترجمت باللغة التركية والعربية، وفيها أعمال كثيرة، وأفعال دقيقة، اطلعنا على بعضها، وقد تتحول تلك الأعمال بواسطة الأصول الهندسية، والعلوم الطبيعية، من القوة إلى الفعل".
فالعطار كان من أوائل من نادوا بتطوير الأزهر فى العصر الحديث لكي يساير التطور العلمى. وقد تولى العطار مشيخة الأزهر فى سنة ١٢٤٦ هـ، وظل بها إلى أن توفى فى سنة ١٢٥٠ هـ (١٨٣٤ م). ويكفيه شرفاً أنه كان أول رائد للحركة الإصلاحية للأزهر؛ وهى الحركة التى اطردت بعد ذلك من عام ١٨٧٢ م حتى عام ١٩٦١ م.
نظر محمد على فى بداية عهده إلى الأزهر على أنه مؤسسة وطنية لها خطرها، فوضع يده على أوقافه وموارده ولم يفكر فى إصلاحه وإنهاضه، وآثر أن يصرف كل اهتمامه إلى إنشاء مدارس جديدة، يربى فيها جيلاً من المصريين يدينون بالولاء له، ويكون هو ولى نعمتهم - على نحو ما شاء أن يلقبه المصريون.
واتجهت سياسة محمد على إلى عزل الأزهر عن الحياة العصرية، بدعوى أن الأزهر لا يسمح بتدريس العلوم الحديثة، وأنشأ المدارس الحديثة معزولة عن التراث القومى والثقافة العربية؛ ونجم عن ذلك أن ابتعد الأزهر عن الحياة العامة الجديدة.
ولقد كان الأزهر وحده هو التربة الصالحة لاحتضان المعرفة الحديثة وتطويرها فى شكل ثقافة وطنية. والدليل على ذلك أنه عندما بدأ محمد على نظام المدارس الحديثة، واختار نخبة من طلبة النظام الجديد، وقرر إرسالهم فى بعثة إلى أوروبا, واختار لهم، حرصاً على تقاليد البلاد، فقيهًا يعلمهم الصلاة- كان هذا الأزهرى وحده (الشيخ رفاعة الطهطاوى) هو الذى تمثل الحضارة الغربية، وترك بصماته على الفكر العربى حتى مطلع القرن العشرين. ولقد أدرك رفاعة الطهطاوى خطأ محمد على فى عدم تطوير الأزهر، وكان على حق فى توجيه اللوم إلى محمد على, لأنه أهمل