الرواة يروون حشدا كبيرا من الوقعات الفردية التى لا تزودنا بصورة عامة لها، ولا تفيد إلا فى تمجيد قبائل بأعيانها فحسب. وهم أيضًا يسوقون أرقامًا شديدة التفاوت عن عدد الجيوش ومراكز فرقها وقوادها. وسار القتال وفق التقاليد القديمة، فكانت كل قبيلة تدير المعركة مستقلة عن الأخرى، ومن ثم كانت حركة علىّ حركة بارعة حين رتب أقسام القبائل المختلفة فى جيشه بحيث أصبحوا يقفون وجها لوجه أمام أبناء قبائلهم.
وتجمع الروايات كلها على أن ذلك القتال، الذى كان يتجدد دومًا ويتسع مداه، كان قتالا داميًا، ولقى كثير من مشاهير الرجال حتفهم فيه، مثل عمار ابن ياسر، وهاشم بن عتبة من جانب علىّ؛ وابن عمر: عبيد اللَّه من فريق معاوية (انظر رثاءه فى ياقوت جـ ٣، ص ٤٠٣) ولقد لقى علىّ معونة كبيرة من الأشتر الذى عرف بشجاعته وحنكته، إذ استطاع هذا الرجل أن يهيئ للقوات العراقية طريقا مفتوحًا آمنًا إلى النهر، كما أبلى بلاء حسنا إبان هذه المعركة فى مبارزات عدة.
وفيما يلى ما روى عن نتيجة هذه المعركة: بعد أن سارت الحرب وقتا ما دون أن تصل إلى نتيجة حاسمة، تمكن الأشتر فى الليلة المعروفة بليلة الهرير (من هرَّ أى عوى: انظر ياقوت، جـ ٤، ص ٩٧٠) وهى الليلة السابقة لليلة الجمعة ١٠ من صفر (٢٨ يولية، انظر Aronyme Chronik: Ahlwardt ص ٣٤٩, س ٣ ويقول الطبرى جـ ٢ ص ٧٤٧ إنها الليلة السابقة ليوم الخميس) وفى صباح اليوم التالى من إحكام الخناق على الشآميين والتضييق عليهم، حتى استبد اليأس بمعاوية وفكر فى الفرار من المعركة، ولم يمنعه من ذلك إلا تذكر بضعة أبيات معينة لابن الإطنابة (الكامل، طبعة Wright، ص ٥٣، ٥٧٣؛ الطبرى، جـ ١، ص ٣٣٠٠، س ١٢). وفى هذا الموقف الخطير نصحه الداهية عمرو بن العاص أن يضع بضع نسخ من القرآن الكريم على رؤوس الحراب ليرمز بذلك إلى أن الحرب يجب أن تتوقف وأن يترك الحكم فيها لكتاب اللَّه؛ وعلى العكس كان علىّ يرى أن قضاء اللَّه فى نتيجة المعركة (الطبرى، جـ ١، ص ٣٣٢٢ وما بعدها) وقد صح تقدير