عمرو من أن هذا الاقتراح سوف يوقع الشقاق فى صفوف علىّ، إذ أعلن عدد كبير منهم أن التماسا كهذا لحكم اللَّه لا ينبغى أن يطرح جانبا، ومن ثم اضطر على الذى ظن أنه كسب المعركة فعلا، أن يستدعى الأشتر فعاد محتجا أشد الاحتجاج، ومن ثم توقف القتال.
وكذلك وافقت الغالبية من جيشه على اقتراح معاوية الذى يقضى بأن يختار كل من الطرفين المتنازعين أحد اثنين من الحكمين اللذين اتفق على أن يجتمعا بعد للوصول إلى قرار وفقا لأحكام القرآن. واختار الشآميون عمرا كما كان المتوقع، على حين أن الخليفة فرض عليه أبو موسى الأشعرى الذى لم يكن يميل إلى على، ووقع الاتفاق بحسب ما جاء فى الطبرى (جـ ١، ص ٣٣٤٠) فى الثالث عشر من صفر سنة ٣٧ (٣١ يولية سنة ٦٥٧) غير أن الدينورى (ص ٢١٠، س ٥) يرى أنه لم يوقع إلا فى ١٧ من صفر، كما أن عليا تذكر ذلك المثل الذى ضربه محمد عليه الصلاة والسلام فى ضبط النفس إبان صلح الحديبية فامتنع عن التوقيع بوصفه خليفة، ومن ثم تفرقت الجيوش وعادت إلى أوطانها، وبدت جيوش علىّ فى غاية الاكتئاب والقنوط حتى إنه قد ظهر عليها أنها أصيبت بنكسة بالرغم من أنها لم تهزم.
ورغم ما تبدو عليه هذه القصة من طرافة بما تحويه من نقاط وجيهة وما تتضمنه من تصوير بارز للشخصيات التى ظهرت فيها، فلا يمكن أن نقطع بصحتها من الناحية التاريخية دون أن نزيدها بحثا واستقصاء، ذلك أن جميع الروايات التى بين أيدينا تكشف عن ميل إلى علىّ وبغض لمعاوية وبخاصة عمرو بن العاص الذى ينسب إليه فى غير تردد كل عمل ماكر، ولذا فإننا نشعر إلى حد كبير جدًا بالحاجة إلى وصف لهذه المعركة على لسان الفريق الآخر يمكن أن نتخذه وسيلة للتحقيق، وحتى دون أن نحصل على هذا الوصف يمكننا أن نشير إلى نقاط عدة من شأنها أن تدلنا فى أرجح الظن على وجود قدر من التحيز لفريق دون فريق، كما هى الحال دون شك فيما يتصل بقصة التحكيم فى "أذرح"