وبخاصة ذلك الدور البالغ الأهمية الذى ينسب إلى عمرو ذى العبقرية الماكرة، وصاحب معاوية. وحتى لو افترضنا أنه هو الذى اقترح رفع المصاحف، وأن العدد اللازم من نسخها كان متوافرًا لدى الجيش الشآمى (يقول الدينورى أن النسخة الأصلية من القرآن نفسها التى كانت محفوظة فى دمشق كانت من بين هذه المصاحف الخمسة التى حملها خمسة من الجنود على رؤوس الحراب) فإن من الواضح أن هذه الوسيلة لم تكن لتجدى ما لم يكن هناك ميل عام لتقبلها، ومن ثم فإنها لم تكن غير وسيلة للتعبير عما كان يشعر به الكثيرون فى دخيلة أنفسهم.
ويستدل على أن هذه كانت هى الحال حتما من عدة إشارات، فلم يكن علىّ وحده يحاول جاهدًا تحاشى حرب مهلكة يتطاحن فيها المؤمنون وأعضاء القبيلة الواحدة بل الأقارب، كالآباء والأبناء (الدينورى، ص ١٨٤)، بل إن الجمهرة الكبرى من فرق الجيش كانت تشعر بأنها حرب لا مبرر لها قد تجلب معها الكوارث والأهوال، وكان هذا هو السبب فى مضى وقت طويل قبل أن يبدأ القتال الحقيقى، وفى أنهم لجأوا بعد أن أعيتهم الحيل إلى عقد هدنة خلال شهر المحرم. ويسجل الدينورى فى هذا الصدد عدة ملامح تكمل رواية مخنف كما وردت فى الطبرى فى بعض النقاط الهامة، فعلى حين يؤلف قراء القرآن فى الرواية الأخيرة فرقة قائمة بذاتها لها قوادها وتقاتل بحماسة فائقة (الطبرى، جـ ١، ص ٣٢٧٣، س ٢؛ ص ٣٢٨٣، س ١١؛ ص ٣٢٨٩، س ٥؛ ص ٣٣٠٤، س ١٠؛ ص ٣٣٢٣، س ٣) فضلا عن أنه ليست هناك غير إشارات قليلة للغاية عن رواة القرآن فى الجيش الشآمى (ص ٣٣١٢، س ١٢) ويظهر هؤلاء الرجال الورعون فى الدينورى (انظر Vorlesungen, uber den Islam: Goldziher) فى صورة أنصار غيورين للسلام استطاعوا فى إحدى المرات أن يوقفوا معركة كانت على وشك أن تنشب (الدينورى، ص ١٨١, س ١ وما بعده). وكان هؤلاء على أهبة الاستعداد لتحكيم القرآن، كما أن معظم السبب فى وقف القتال بهذه السرعة يرجع إلى نفوذهم (المصدر نفسه، ص ٢٠٤)