وعندما اتفقوا على تحكيم القرآن تفاوضوا مع القراء الشآميين أمام الجيشين وأوصوا باختيار الحكمين (المصدر نفسه، ص ٢٠٥)، فإذا كان عمرو قد اقترح حقا رفع المصاحف (وهناك سابقة مماثلة لتحكيم القرآن حدثت فى وقعة الجمل): الطبرى جـ ١، ص ٣١٨٦، ٣١٨٨ وما بعدها). فإنه لم يفعل غير التعبير عن فكرة كان يشاركه إياها الكثيرون ومن ثم وجد تأييدًا سريعًا لفكرته. كما أنه من المحتمل إلى حد بعيد أن تكون تلك النقطة البارزة فى هذه الرواية، وهى أن النصر كان بين يدى علىّ فعلا عندما حرمه منه عمرو بفكرته تلك، من المحسنات التاريخية التى لجأ إليها شيعة علىّ لتفسير النهاية الفاشلة التى انتهت بها المعركة. على أنه من الجلى بمكان أن الغنم كل الغنم كان لمعاوية بالالتجاء إلى تحكيم القرآن، فى حين أنه كان بمثابة ضربة قاصمة لعلى، ولذلك فليس بعجيب أن يتحمس له رجلان كمعاوية وعمرو، وبخاصة إذا كانا يخشيان أن تنتهى المعركة فى غير صالحهما. ويجب أن نذكر بصفة خاصة أن الموقعة لم يكن لها شأن بتقرير من سيكون خليفة من الخصمين المتنازعين. أما أن معاوية كانت له أطماع عريضة فأمر كثير الاحتمال، ولكنه كان أيضًا أحصف من أن يكشف عن أطماعه هذه فى هذه المرحلة المبكرة. فقد التزم دوره بكل دقة فى مطالبته بثأر عثمان وأعلن أنه على استعداد لمبايعة على إذا سلم إليه قتلة هذا الخليفة، مما أظهره أمام الناس فى جانب الحق والفضيلة؛ ولما لم يكن فى استطاعة علىّ فى الوقت نفسه أن يجيبه إلى مطالبه هذه، فقد كانت هذه وسيلة طيبة للحيلولة دون عقد صلح بينهما؛ لقد كان تحكيم القرآن بالنسبة لعلى ضربة قاضية ماحقة، ذلك أن معنى هذا وجوب الرجوع إلى الكتاب الكريم لتبين ما إذا كان تصرف علىّ فيما يختص بقتلة عثمان يجعله غير جدير بأن يكون خليفة، ومن ثم يحق خلعه إلى حين على أقل تقدير، أما مركز معاوية فلم يكن ليلحق به أدنى ضرر نتيجة للتحكيم.
وأخيرًا يجب أن نذكر أنه يتضح لنا من دلائل عدة أن مركز على قد أصابه