وشمل الهدوء البلاد سبعة عشر عامًا، عاد بعدها المسلمون يقرعون أبواب صقلية من جديد، ولكن أوتو الثانى Otto II، ومن ورائه إمبراطورية غربية، اضطر إلى الانسحاب من القتال مقهورًا مدحورًا، وإنما لاح النصر عندما استجمع الإمبراطور الشرقى بازيل الثانى قواته المبعثرة سنة ١٠٢٧ م ليقوم بهجوم حاسم على الفاتحين المشاغبين الذين اقتحموا أملاكه، ولم يطل به العمر حتى يشهد نتيجة عمله، إلا أن تابعه مانياكيس Maniaces واصل خطة الغزو، فقد استغل سخط أبى الأعفر فراح ينتصر فى كل خطوة يخطوها طيلة أربع سنوات، وما إن حلت سنة ١٠٤٣ حتى كانت مسّينة Messana وسراقوسة وغيرهما من المدن الكثيرة قد خضعت لسيادة المسيحيين. على أن مانياكيس استدعى إلى الوطن للقضاء على بعض المخاوف التى ثارت هناك فاضطر إلى أن يترك عمله دون أن يتمه، وسرعان ما استرد المسلمون بعض ما فقدوه، والظاهر أن الإمبراطورية لم تكن قادرة على رد غائلة الفاتحين إلا أن الساعة حلت سنة ١٠٦٠ وظهر الرجل المنتظر، فقد كانت مسينة لا تزال تناضل ساعية إلى الخلاص من قضائها المحتوم باستيلاء العرب عليها حين استنجدت بالكونت النورمندى روكر صاحب هوتفيل، وكان هذا النورمندى قويًا بامتلاكه إيطاليا، بيد أنه كان ينتظر الوقت الملائم للاستيلاء على الجزيرة القائمة أسفلها، فاستجاب لنداء أهل المدينة واستولى عليها وجعلها قصبة مملكته، وما إن حلت سنة ١٠٧١ م حتى كانت بلرم قد سقطت، وفى سنة ١٠٧٨ انتزعت تاورمينا من أيدى المسلمين، واستولى النورمندى على سراقوسة سنة ١٠٨٥، وكان العرب قد استولوا على مالطة سنة ٨٧٠ فاستردها روكر منهم سنة ١٠٩٠، ومن ثم تم فى بضع سنوات غزو صقلية بأسرها، وساد الحكم النورمندى الجزيرة كلها، واحتل سادة النورمنديين القصور، كما احتل الجنود النورمنديون الحصون، ولاح أن كل ما كان للعرب من مجد قد ولى وانقضى.
وبالرغم من هذا فإن الثقافة العربية وجدت عصب حياتها فى كيان الغزو