أن ينسحب شيركوه من مصر ويتركها لشاور. وبلغ شيركوه الشام هو وصلاح الدين فى مستهل سنة ٥٦٠ هـ (أواخر سنة ١١٦٤ م)، وقواته سليمة لم تمس، وكانت أهم نتائج هذه الحملة أن نور الدين ورجاله تبينوا ثروة مصر وقوتها التى لا بأس بها، وتاق شيركوه إلى غزو البلاد والاستقرار فيها، ولكن نور الدين لم يشأ أن يفرق جيشه لأنه كان يحارب الصليبيين، على أنه حدث بعد ثلاث سنوات فحسب أن عقد شاور حلفا جديدا مع أمورى، فتلقى شيركوه الأمر بأن شرع فى القيام بحملة أخرى على مصر، واصطحب معه صلاح الدين أيضًا (أكتوبر ١١٦٨)، "على كره منه أول الأمر"؛ وكان هدفه الأول احتلال ضفة النيل، فلما تغلب على الصعاب التى صادفته أثناء المسير وأفلت من الفرنجة، أمكنه أن يبلغ جنوبى القاهرة وأقام معسكرا حصينا قرب الجيزة، على أن أمورى سرعان ما أقبل بجنده وعسكر فى الجهة المقابلة له فى الفسطاط، وعقد فى الوقت نفسه اتفاقا خاصا بالجزية مع الخليفة نفسه، ثم هاجم أمورى شيركوه وأكرهه على التقهقر إلى الصعيد، ثم اضطره إلى الوقوف فى البابين، وخاض شيركوه القتال، بعد شئ من التردد، عملا بنصيحة صلاح الدين وبعض الأمراء، وأفلح فى هزيمة أمورى، على حين أكره صلاح الدين جيش الخليفة على أن يولى الأدبار، ولم يكن شيركوه فى مركز يسمح له بمواصلة هذا النصر، بل عاد ومعه صلاح الدين إلى الاسكندرية، ثم ترك صلاح الدين مع نصف جيشه، ومضى هو إلى الصعيد يجمع الجزية، وكانت هذه أول مرة يستقل فيها صلاح الدين بالقيادة، وتقدم أمورى صوب الإسكندرية على رأس جيشه وجيش من المصريين، وكان أسطول الصليبيين يراقب الساحل، ووجد صلاح الدين مشقة فى رد غائلة الفرنجة عن المدينة فقد حاصروها وراحوا يصلونها نارا حامية بمدفعيتهم العظيمة، ومن ثم استنجد بشيركوه وعاد شيركوه مسرعا ولم يضرب خيامه قط إلا عندما أصبح أمام القاهرة، وهنالك دخل فى مفاوضات مع أمورى لعقد صلح، وتم الصلح بينهما فى منتصف شوال سنة ٥٦٢ هـ (مستهل أغسطس سنة