للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= {لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (سورة القدر آية ٣؛ سورة الدخان، آية ٣، فيها نزل القرآن، وفيها تنزل الملائكة والروح، وفيها السلام والرحمة والنعمة من اللَّه؛ فى ليلة القدر يتجه المسلمون إلى اللَّه ليغمرهم بفضله ورحمته، واللَّه جعلها لذلك ليلة القدر "ليلة" وليست "نهارًا"، والعبادة والإنابة فيها عبادة ليلية، فليس فيها صوم بل فيها عبادة قلبية وقيام وتهجد وذكر وفكر. والمغفرة والرحمة الإلهية تتبعان ذلك، هذه المعانى كلها وغيرها مما يحيط بليلة القدر يجعلها شيئًا آخر مغايرا ليوم الكفارة -وليرجع القارئ إلى ما يتصل بليلة القدر فى كتب التفسير مثل تفسير الفخر الرازى.
أما ما يتصوره كويتين من علاقه بين الاعتكاف فى العشر الأواخر من رمضان وبين أيام التوبة السابقة على يوم الكفارة، فإنها علاقة لا وجود لها إلا فى خياله. والاعتكاف فى رمضان مرتبط بليلة القدر وقد اعتكف الرسول عليه الصلاة والسلام فى غير رمضان أيضًا.
ومن ذلك أنه يقول إنه يمكن دعم وجهة نظر كويتين بذكر أن ليلة البراءة تقع قبل رمضان فى منتصف شهر شعبان، ثم يقول إن الآراء والشعائر التى وصفها فنسنك فى مادة شعبان، وهى تتصل بهذه الليلة، تشبه إلى حد ما آراء اليهود المتعلقة بأول يوم فى السنة الجديدة، غير أن هذا اليوم يسبق يوم الكفارة بفترة أقل من الفقرة التى تسبق بها ليلة البراءة شهر رمضان مما يقوى الصلة بين ليلة البراءة ويوم الكفارة.
ولابد أن نلاحظ أولًا أن بليسنر يشير علينا بأن نرجع إلى مادة "ليلة البراءة" فنجد هنا مجرد إحالة على رمضان.
وفى مادة شعبان التى كتبها فنسنك نجد كأنه يستدل من كفرة صوم النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى شعبان على أن شهر شعبان كان له من الشأن فى بلاد العرب قديما ما لشهر رمضان. وهذا استدلال غير لازم. وإذا أردنا رأى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وجدنا -فيما يروى- أنه بيّن سبب إيثاره لشهر شعبان، وهو أن اللَّه يكتب فيه على كل نفس ميتة تلك السنة، فكان يصوم لأنه كان يحب أن يأتيه أجله وهو صائم (راجع كتاب الترغيب والترهيب، كتاب الصوم باب الترغيب فى صوم شعبان).
ثم إن فنسنك يقول إن ليلة نصف شعبان تعرف بليلة البراءة، أى ليلة غفران الذنوب، ولا يذكر أن هذه الليلة كانت معروفة قديما.
وهو يذكر بعض التصورات الشعبية المتعلقة بليلة النصف من شعبان ويذكر عن الترمذى (السنن فى كتاب الصوم، باب ٣٩) أن اللَّه ينزل فى ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا وينادى الناس ليغفر لهم.
فى هذا الموضع من الترمذى لا يوجد سوى قول النبى عليه الصلاة والسلام أن اللَّه ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب، أما نداء اللَّه للناس: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا كذا ألا كذا! ؟ فهو فى روايات أخرى متعلقة بنصف شعبان (راجع مثلا الترغيب والترهيب، كتاب الصوم، باب الترغيب فى صوم شعبان).
والآن نعود إلى ما يزعمه بليسنر من علاقة بين ليلة نصف شعبان وبين يوم الكفارة.
الواقع أنه يبحث عن أصل لم خذت منه فى رأيه ليلة نصف شعبان، والحق إنه ليست بين يوم الكفارة وليلة النصف من شعبان علاقة. فذاك يوم التكفير عن الذنوب؛ وهذه ليلة دعاء بالاتجاه إلى اللَّه لا ليغفر الذنوب فقط بل ليمنح الرزق والعافية. . . وهى "ليلة" وليست "نهارًا". وإذا كان المسلمون يتوجهون إلى اللَّه فى هذه الليلة طالبين المغفرة فهم يطلبون غيرها, وليس عند اليهود فيما يتعلق بيوم الكفارة ذلك المعنى العظيم، وهو نزول الرحمة والألطاف الإلهية على البشر، وهذا هو معنى نزول اللَّه تعالى إلى السماء الدنيا. فليس المقصود نزولا حسيا ولا مكانيا، بل المقصود إفاضة الرحمة والمغفرة والنعم والعافية على الناس.
على أنه يجوز أن يكون ما ورد فى ليلة النصف من نزول المغفرة على المستغفرين سببا فى تصور بليسنر ارتباطها بيوم الكفارة. =