للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والأحكام الأولى للصوم فى الإسلام جاءت بها الآيات (١٢) ١٨٣ - ١٨٥ من سورة البقرة، وهى آيات مترابطة (Noldeke-Schwally، ص ١٧٨ خلافًا لما


= نعم إذا أخذنا بنص الحديث المروى عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وجدنا أن هذه الليلة منذ الغروب إلى طلوع الفجر ليلة مغفرة. إلخ (الترغيب والترهيب، الموضع المتقدم الذكر).
لكن فى القرآن أن اللَّه قريب من الداعى، وفى الحديث أنه يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل.
وفى حديث أبى هريرة -وهذا حديث أخرجه الستة إلا النسائى- "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعونى فأستجيب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى فأغفر له؟ " (تيسير الوصول، القاهرة ١٣٤٦، جـ ٢، ص ٥٦).
إن التوجه للَّه بطلب المغفرة والرحمة والأنعام ليس له وقت معين، وكذلك إنعام اللَّه علينا ليس له وقت معين، لكن اللَّه يخصص أوقاتا للوقوف بين يديه ومناجاته وسؤاله وذلك لكى يتعود الإنسان على ذلك ويدخل فى نظام حياته على نحو مطرد فتتهيأ نفسه وتتخلص مما يعتريها من أنواع الكدر والغفلة بسبب ملابسة أمور الحياة الدنيا.
وأخيرًا فإن ليلة النصف من شعبان ليست "نهار" صوم بل هى وقت اختير لمناجاة اللَّه وسؤاله. وهى ليست مناسبة طقوس من النوع الوجود فى يوم الكفارة.
ونحن لم نقصد مما ذكرناه وعلقنا عليه من كلام كاتب المادة أو كلام غيره إلا أن نبين عدم الدقة وقلة التثبت واليقين فى آرائهم -وقد صرفنا النظر عن أوهام أخرى لكويتين حكاها بليسنر.
إن الإسلام، من حيث هو عقيدة وشريعة وأخلاق وفضائل، وحى إلهى أصيل متميز، وهو إن شابه الوحى السابق فى أمور فذلك لأنه جاء من عند اللَّه مصدقا لما بين يديه ولأن هناك أمور، تقضى بها طبائع الأشياء. لكن كاتب المادة وكثيرين غيره من الباحثين لا يريدون أن يسلموا بذلك، مع أنه لا يوجد أى دليل على وجوب وقوف الهداية الإلهية للبشر عند اليهود والنصارى.
هذا الموقف الذى وقفه كاتب المادة وغيره هو أساس الخطأ فى البحث، فهو يعمد إلى الدراسة المقارنة ملتمسا أى وجه شبه، حتى لو كان ظاهريا واهيا، بين ما هو إسلامى وغير إسلامى بقصد رد ما هو إسلامى إلى غيره، وفى ذلك لا نجد سوى التعلق بالفروض والأوهام.
هذه الطريقة لا فائدة لها ولا تنهض على أساس سليم ولا تقدم معرفة ذات قيمة، وهى التى حجبت عن أنظار أصحابها جوهر الحقيقة. هى حجبت عنهم أولًا الحقيقة الكبرى, وهى أن الإسلام دين حق ووحى إلهى صحيح جاء به رسول صادق، وحجبت عنهم ثانيا إدراك ما فى التعليم الإلهى الإسلامى من حكمة وأعماق وأسرار ومن مميزات تميزه عن غيره.
إن الأولى بالباحث الذى يريد أن يكون لبحثه ثمرة هو أن يبحث التعليم الإلهى السابق وما تعرض له من ضياع ونسيان وانتحال وما أصابه من اضطراب وصل إلى التناقض، ثم يتفكر ليدرك؛ أن حكمة اللَّه تقتضى ألا يترك هدايته للبشر على هذه الصورة بل تقتضى أن يصححها ويكملها بالوحى الإسلامى! ؟
(١٢) هذه الآيات هى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.