أجل أدت هذه الإجراءات إلى بزوغ فجر من الازدهار عظيم. وثمة رواية غامضة (ابن سعيد، ص ٣٨) تشير إلى محاولة بذلت لاحتكار الكتان، وقد عدل عن هذه المحاولة من بعد، على أن هذا المصدر (ص ٦٧) ذكر أيضًا أن أحمد بن طولون بذل فى آخر سنى حكمه محاولات أخرى من هذا القبيل. ولاشك أن تجارة مصر كانت قد راجت رواجا عظيما، على أنه لم تصل إلينا فيما يظهر معلومات فى هذا الصدد. والراجح أن الإدارة المالية فى عهد خمارويه بدأت تضمحل. وتعوزنا فى ذلك أيضًا التفصيلات، ولكننا نستشف هذا الاضمحلال مما اتسم به عهد خمارويه من إسراف بلغ حد الاستهتار، وقد تسامح هذا السلطان مع الأمراء مما أعطاهم مطلق الحرية فى إدارة ضياعهم. ولاشك أيضًا أن فقد أحمد بن محمد الواسطى الذى كان ذراع أحمد ابن طولون اليمنى فى الشئون المالية قد أثر أيضًا فى كفاية هذه الإدارة. وكانت خزانة الدولة خاوية تماما حين أدركت المنية خمارويه، ثم إن التنازل الفعلى للحكومة المركزية عن حقها للأمراء أدى إلى عودة المساوئ المعهودة للنظام المالى. وكان السلطان هارون مجرد طفل (بلغ عمره عند وفاته اثنتين وعشرين سنة وحسب) فترك أزمة الأمور فى يد أبى جعفر بن أبالى وسارت الأمور فى عهده من سئ إلى أسوأ واستفحلت الكارثة التى حلت بالبلاد فى النهاية بالفيضان المنخفض الذى جاء به النيل على غير العادة سنة ٢٩١ هـ.
وقد تميز عهد أحمد فى ميدان الإدارة أيضًا بتقدم كبير. فقد استحدث ديوان الإنشاء على نمطا الديوان الخاص بالخلفاء، وكان السلطان يعقد جلسات عامة منتظمة لسماع المظالم؛ وثمة وثيقة بردية (P.E.R.F، رقم ٨٠٥) تشير فيما يظهر إلى أن مسحا عام لمصر تم بين عامى ٢٥٨ و ٢٦١ هـ ولم ينل اليهود ولا النصارى بصفة عامة ضرر منه، والراجح أن أحمد بحكم تحيزه للأهلين من الموظفين المصريين، قد توسع فى استخدامهم فى الإدارة. على أن البلاد قد أزعجتها فى