ذلك من الأنظار القديمة. على أننا لا نجد عند الإسماعيلية إشارات إلى هذه الكتب اليونانية الأصلية، وإنما نجد فحسب ذكراً غامضا لـ "الحكماء اليونانيين"، وهذا الذكر نادر جداً. ونجد عندهم كثيراً من الزيادات أخذوها من العلم المنحط المأثور عن العصور المتأخرة، فى صورة معتقدات أولية تنجيمية وكيماوية ورمزية سحرية، وأنظار عن القوى الخفية والسحرية للأعداد والحروف وما إلى ذلك. والحق إن هذا كله مألوف لكل طالب يدرس ثقافة القرون الوسطى الأولى. ولا نجد
فى الإسماعيلية إلا آثاراً باهتة جداً من المانوية، أما المسيحية فيها فنحسها إحساسا أقوى من ذلك. وكتاب الإسماعيلية يتوخون عامة الدقة إلى حد مشهود حين يستشهدون بالأسفار المسيحية، مبدين أنهم رجعوا إلى الأسفار الحقيقية، ولم يلجئوا إلى أوهامهم فحسب كما فعل معظم الكتاب من أهل السنة.
ومن يرد أن يكون فكرة أصيلة عن "الحقائق" فإنه يستطيع أن يفيد فائدة كبيرة إذا قرأ بإمعان دائرة المعارف المشهورة "إخوان الصفاء" التى طبعت مراراً وترجم ودرس جزءا منها المرحوم الأستاذ ديتريصى. ويعد المستعلية هذا الأثر تصنيفا جمعه ثانى الأئمة المستترين "أحمد"؛ والشواهد المأخوذة منه شائعة فى كتب الحقائق.
ومن ثم فإن هذا المذهب -كما نستطيع أن نتبين- ليس فيه من الأصالة أو الأشياء غير المعروفة إلا القليل جدًا. والشئ الوحيد الأصيل فيه هو الطريقة التى جمعت بها كل هذا المواد المختلفة الأجناس وأدمجت فى الإسلام. على أن "الحقائق"- حتى فى هذا الصدد - تشبه شبها كبيرا الأنظار الصوفية التى لا تختلف عنها إلا فى مصطلحاتها وفى أن الصوفية تقبل على سبيل القطع المذهب الأفلوطينى فى الشطح بينما تنكره الإسماعيلية إنكاراً.
ويصح لنا أن نلاحظ أن المستعلية يؤمنون إيماناً راسخاً بأن هذا كله قد كشف عنه أئمتهم، وأنه ما من أحد سوى هؤلاء الأئمة أنفسهم قد أوتى هذا