صيرورة الإنسان على ألفة شديدة بالأماكن المقدسة، يمكن أن يؤدى بسهولة إلى الإهمال، بل حتى إلى النفور والغطرسة، وإلى انتهاك حرمة هذه الأماكن آخر الأمر. وقد يكون هناك قلة محصنة من الناس ضد هذا الضعف، ومن الآثام الناجمة عنه، وينبغى أن يوصى بالمجاورة لهذا العدد القليل وحده من المؤمنين، للبقاء بلا حدود بجوار الحرمين، فقد يجلب لهم منافع عظيمة الشأن بحق. ويجب على كل الآخرين أن يتحاشوا المجاورة (رحمة اللَّه بن عبد اللَّه السندى)(توفى سنة ١٥٨٥ م)، جمع المناسك ونفع الناصر، فى حواشى أحمد بن مصطفى ضياء الدين الكمشخانوى: جامع المناسك على أحسن المسالك، استانبول سنة ١٢٨٩ هـ/ ١٨٧٢ م، ص ٣٨٧ - ٣٨٨).
ويشترك موقف ونمط سلوك المجاور فى العلاقة نفسها مع أعمال الحاج أو الزائر لمكان مقدس آخر، كتلك العلاقة التى بين المرابط والمجاهد، وبالنسبة للمجاور والمرابط يسود عنصر الطمأنينة والتأمل للانتظار والمراقبة، بينما يسود مع الحاج والمجاهد عنصر المشاركة فى أعمال (انظر F. Mzier: فى Die welt des Islam، العدد ٢١ [سنة ١٩٨١]، ص ٨١، ٩٠ - ٩١).
وليس من النادر أن يكون الحج إلى مكة، المتبوع بمجاورة فيها أو فى المدينة، قد استخدم وسيلة للنفى والإبعاد. ولنأخذ مثالًا واحدًا من أمثلة كثيرة، ألا وهو الوزير أبو شجاع الروزراورى, الذى عاش بعد خلعه مجاورًا فى المدينة، وتوفى بها فى سنة ٤٨٨ هـ/ ١٠٩٥ م. (La polilique de Ghuzali, باريس سنة ١٩٧٠ , ص ٥٦). وبسبب مثل هذه الحالات، على ما يبدو، نجد أن الفعل الفارسى مجاورة داشتن، يمكن أن يعنى "يبعد"(ينفى) أيضًا (مثل نفى - ئى بلد كردن، وانظر Dictionaire Ghaffari persan - Francais, جـ ٥، طهران سنة ١٩٥٧، ص ٨٠٦).
ويستطيع أناس من طبقات مختلفة بدرجة كبيرة، أن يكونوا مجاورين أو مجاورات، أرامل مشهورات، موظفون متقاعدون، أفراد مقتلعون اجتماعيًا من جذورهم، فقراء المتصوفة، تجار، طلاب علم الفقه الشبان، أو كبار السن, من كل