الضحى {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}، وفى الآية ٥٢ من سورة الشورى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ. . .}. وفى كتب السيرة أن ابنتين من بناته تزوجتا من ابنين لأبى لهب، وكان أبو لهب من أكثر المدافعين عن الوثنية حماسة. وكانت مكة بحرمها مكانا مقدسا عند النبى (-صلى اللَّه عليه وسلم-) حتى ربطها بإبراهيم وإسماعيل، {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} سورة النمل آية ٩١. كذلك فقد سمح للمسلمين بالاشتراك فى الحج إلى مكة حتى قبل أن يصبح هذا الحج ركنا من أركان الإسلام.
ويمكن أن نضيف إلى هذه النتائج المستقاة من دراسة القرآن الكريم عن تطور دعوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ما نستقيه من دراسة الروايات عنه والتى تقول إنه لم يكن هو وحده الذى يبحث عن دين يقول بالتوحيد. فقد حُكى عن عدة أشخاص ذكرت أسماؤهم كانوا غير راضين عن الوثنية القديمة للعرب ويبحثون عن عقيدة أكثر عقلانية. وقد كان منهم ابن عم لخديجة هو ورقة بن نوفل وكان هناك الحنفاء الذين لم تحفظ الروايات عنهم غير صورة باهتة. وكذا أمية بن أبى الصلت الذى تتفق قصائده فى كثير من النقاط مع القرآن؛ وهى قصائد كان يمكن أن تكون ذات أهمية عظيمة لو أن -جزءًا منها على الأقل- ثبتت صحة نسبته إليه.
ومن الصعب أن نحدد مدى تأثر محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالأفكار والحركات المختلفة القائلة بالتوحيد والتى شهدتها شبه الجزيرة العربية فى أوائل القرن السابع الميلادى. أما المؤكد فهو أن أمرًا غيّر وعيه بأكمله وملأه بقوة روحية قررت مجرى حياته، وإعلان ما يوحى به إليه فبدأت بذلك مرحلة نبوته. وقد ذهب كايتانى إلى أن ظهور محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كمصلح دينى [قبل أن يبعثه اللَّه نبيًا] إنما كان تدريجيا وعلى مدى فترات طويلة من التفكير والتأمل تصفها كتب السيرة بالتحنّث.
وتذهب بعض الروايات إلى أن السورة التى بدأت بها الدعوة هى سورة العلق، بينما تذهب أخرى إلى أنها سورة المدثر. غير أنه ينبغى أن