للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نأخذ فى الاعتبار احتمال ألا تكون أوليات السور قد دونت أو حُفظت (١).

وتقول الروايات إن "فترة" مدتها ثلاث سنوات فصلت بين وقت نزول الوحى عليه بالسور الأولى وبين نهوضه بالدعوة.

ولا يلمح القرآن الكريم إلا قليلا إلى طريقة حدوث هذا الوحى. وربما كان الدثار الذى أشارت إليه سورة المزمل وسورة المدثر يشير إلى نوع من الاستعداد لتلقى ما يوحى به على نهج كهان العرب الأقدمين (٢).

وثمة ضوء غير مباشر يلقيه على الموضوع اتهام أعدائه بأنه مجنون، أو كاهن، أو ساحر، حيث إن الاتهام يبين أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-]-فى لحظات تلقيه الوحى- كان يترك لديهم انطباعا كذلك الذى يحدثه المجنون أو الكاهن أو الساحر (٣)، وهى شخصيات كانت مألوفة فى شبه الجزيرة. وبالإضافة إلى ذلك نجد روايات عدة تصف حالته فى مثل تلك اللحظات وصفا أوفى، ويمكن اعتبارها صحيحة حيث إنه لا يمكن أن يكون المسلمون فى العهود المتأخرة قد اخترعوها، بينما كانت هذه النوبات الغريبة تمثل بالنسبة لمعارفه أصدق دليل على ألوهية مصدر الوحى.

وقد كانت الأفكار بسيطة فى تلك السور الأولى المتوهجة عاطفة، ولا تقوم هذه الأفكار على أساس المفهوم


(١) راجع مادة القرآن الكريم فى الدائرة (الطبعة الأصلية) وقد خلص كاتب هذه المادة إلى أن لجنة من كبار المستشرقين منهم بلاشير حاولوا إعداد نص قرآنى غير النص الذى بين أيدينا، مضيفين إليه ما سقط منه، ورجعوا لمختلف المصاحف كمصحف أبىّ وابن مسعود، كما رجعوا لمختلف الروايات، وانتهوا إلى أن النص القرآنى الذى بين أيدينا هو الوحيد الموثق والصادق، واستبعدوا تماما أى حذف أو إضافة من وجهة النظر العلمية.
(٢) لم تشر كتب السيرة المعروفة: سيرة ابن هشام الذى هذب فيها سيرة ابن إسحق (ت ١٥٢ هـ)، وسيرة ابن سيد الناس (ت ٧٣٤ هـ/ ١٣٣٤ م)، والسيرة الحلبية لنور الدين الحلبى (ت ١٠٤٤ هـ/ ١٦٤٢ م)، ولا كتب التراجم الأخرى أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يلبس لباسًا خاصا استعدادا لتلقى الوحى، وما أشير من تزمله وتدثره فى القرآن الكريم لا يعنى ذلك بالضرورة، وإنما كان ذلك فى معرض خوفه -بما مرضه- بعد نزول الوحى عليه لأول مرة. لدرجة جعلت زوجه خديجة تشفق عليه.
(٣) هذه الاتهامات نفاها القرآن الكريم عن سيدنا محمد فى أكثر من سورة.
[التحرير]