من لم يُجْد ذلك معهم نفعا فقد رأى مقاتلتهم. ولقد جرت أول نقطة تحوّل فى نضال محمد على ضد المماليك فى أخريات سنة ١٨٠٦ م ومطلع السنة التالية فقد مات فى خلال أربعة أشهر كل من البرديسى والألفى، وأصبح المعسكر المملوكى خاليا من قيادة تستجيب لها الجماهير فى الوقوف فى وجه الوالى, وعلى الرغم من أن ممثل الحكومة البريطانية وقنصلها العام بذلا جهدا كبيرا فى إعادة النظام المملوكى إلا أن ذلك لم يُجد نفعا، فقد استطاع محمد على أن يشدّد قبضته على البلاد بواسطة بعض المناوشات هنا وهناك, حتى إذا كان مارس عام ١٨١١ وجّه للمماليك ضربة قاتلة باغتياله غدرا قوادهم الذى دعاهم إلى حفل أقامه بالقلعة بمناسبة ترقية ولده طوسون وسفره للحجاز، وتلى ذلك تصفية على مجال أوسع للمماليك فى ولايات مصر وبلغ قتلاهم مئات عدة، وتعتبر مذبحة القلعة هذه نهاية قوة المماليك بمصر وإن دخل الكثيرون منهم فى الطبقة العثمانية المصرية الرفيعة، واستمر هؤلاء فى الخدمة فى الوظائف الحربية والمدنية الكبرى طوال عهد محمد على وما بعده. على أن الباشا صادف تحدّيات داخلية وخارجية فلقد أرست فى ميناء الإسكندرية فى مارس ١٨٠٧ م قوة بريطانية وكذلك قوة فرنسية بقصد مساعدة المماليك فى الاستيلاء على الحكومة فى مصر، وعجزت القوات البريطانية عن احتلال رشيد وحاصرتها قوات محمد على بالإسكندرية وضيقت عليها الخناق فجلَتْ عن البلاد بعد الاتفاق. وقد أدّت هذه التطورات إلى إعطاء محمد على فرصة كان محتاجا إليها لإلتقاط أنفاسه من التدخل العثمانى والبريطانى على السواء. غير أنه صادف قوة داخلية معارضة له تلك هى جماعة العلماء بالقاهرة. ولقد رتب محمد على خلال الفترة الأولى من حكمه أن يمكّن لنفسه بتجريده كل ذوى الشأن من السلطة والقوة السياسية فى مصر، وكانت طبقة العلماء هى أكثر هذه الجماعات تأثرا بهذه الخطة من جانبه، إذ كان اعتمادهم الرئيسى على ما يدره