وقد قيل لنا إن هناك شعبة من "المرجئة" يقولون إن الإيمان بدون النظر ليس ايمانا كاملا.
وربما يكون الأشعرى نفسه أفضل دليل على أن تأمل العقل البشرى لم يعتبر مصدرا (أو منهجا) لمعرفة اللَّه (سبحانه) لأول مرة فى مدرسته، بل قبل ذلك فى طوائف عديدة فقد كان النظر (مثل الرأى فى الفقه) ينطبق على نشاط عقل الفقيه المتأمل (وبجانب النظر نرى صطلحات تستخدم كثيرا بدلالات مختلفة مثل بحث وحدس ورأى وفحص، وفكر وفكرة، وحديث النفس والتفكر والتأمل والطلب، وربما مصطلحات أخرى) والمناهج (الأساليب) المنطقية المستخدمة هنا يطلق عليها القياس (الاستنتاج بالتماثل) والاستدلال (وهو البرهان بالبّينة التى تقوم على الظروف). . . ومما نعرفه عن القياس فى الفقه يتحتم علينا أن نفكر فى عملية هى مزيج من الاستقراء والاستنتاج، تستخدم بدقة شديدة، والاستنتاج (الاستدلال) بالنسبة لأرسطو وأتباعه فى الإسلام (الفارابى. . الخ) له معنى واحد فهم يعتقدون فى السببية أو بالأحرى فى النشاط الخلّاق للفكر المجرد. ولم ترق الأغلبية الكبيرة من رجال الدين والقضاة والأطباء إلى هذه الدرجة. فمنهج النظر لم يدخل إلى علم الكلام إلا مع مدرسة الأشعرى. وكان علم الكلام يعرف "بعلم الاستدلال. . وقد رفضت الأغلبية هذا المنهج فى بادئ الأمر ولكنها تقبلته تدريجيا وأصبح أداة لمواجهة الهراطقة والسوفسطائيين؛ وفى النهاية اعترفت المدرسة التقليدية المتشددة بالنظر كالتزام دينى.
ولنعد إلى المفهوم العام للعلوم النظرية. وقد نشرها الفارابى (المتوفى عام ٣٣٩ هـ/ ٩٥٠ م) من وجهة النظر الفلسفية فى بحث خاص (إحصاء العلوم تحقيق عثمان أمين - القاهرة ١٩٦٨ م) بطريقة أصبحت نموذجا لما تلا ذلك من عصور فهو أول من عكف على منطق أرسطو من ثم أطلق على مدرسته "المنطقيون"، وهو يسلّم -مع أرسطو- بأن العقل يحتوى فى ذاته على المبادئ الجوهرية لكل المعرفة التى