للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وغزا العرب هذه البلاد غزوتين بينهما ثمانية عشر عاما على أنهما لم تكونا فتوحًا بالمعنى المفهوم وإنما كانتا غارات مهدت الطريق لحملات أخرى أحسن نظاما وأكمل عدة تم بها فتح البلاد. ومن المصادفات العجيبة أن المغيرين ألفوا إفريقية البوزنطية في الغزوتين على أبواب محنة سياسية. ففي عام ٦٤٧ م البطريق غريغوريوس قد انفصل وشيكا عن الإمبراطور واستقر به المقام بين البربر لما دهمه والى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند سبيطلة وقضى عليه، ثم شرع في اكتساح بلاد الجريد. وفي عام ٦٦٥ م كان أهل قرطاجنة قد جاهروا الإمبراطورية بالعداء مخلفين في ذلك ظن الناس جميعًا عندما خرب معاوية بن حديج بيزاسين وغزا حصن جلولا وإنا لنتساءل: هل كان حكم المغرب منوطًا بوالى مصر عندما حل عام ٦٦٧ م؟ الواقع أن الفتح الحقيقي لم يتم إلا فيما بين. ٦٦٩، ٧٧٥ م؛ وقد تميز بانتصار عقبة بن نافع وبناء مدينة القيروان، وكان هذا تاريخ استيلاء العرب على إفريقية والتمكين لهم فيها، وفاتحة دخول قبائل البربر في الإسلام. على أن أهم هذه الحوادث جميعًا هو تشييد هذه المدينة الجديدة، وهي حاضرة من حواضر المسلمين ودار للصناعة ومحط للقوافل وسوق للتجارة. وقد رفع أهل هذه المدينة منذ ذلك الوقت قواعد مسجدها ومدوا أرباضها في السهول المواجهة لنجاد تونس الوسطى التي ظل يحميها خط من حصون الروم.

وعاد عقبة عام ٦٨١ م بعد أن انقضت ولاية أبي المهاجر، ولانعرف من أخبار هذا الوالى إلا القليل. وحدث بعد عامين أن كان عقبة راجعًا من غزوة له هوجاء بلغ بها تنكتانيا فسقط في التراب أمام تهودة صريع فتنة شديدة قام بها الأهلون في وجهه. وقد ناصر الروم كسيلة رأس هذه الفتنة، وظل هذا الرجل أعوامًا طويلة أميرًا على دولة بربرية مترامية الأطراف ناهضت غارات العرب الجديدة وقاتلتهم أشد قتال، وسقط كُسَيلَةَ نفسه في حومة الوغى بناحية