لا يدرى أين طرفاها, ولا يعرف كيف يخرج منها، وقد وضع نصب عينيه غاية يرجو الوصول إليها، ثم يعجز عن إدراكها، إذ كانت خيالا يضطرب فى ذهنه، ليس لها وجود فى حقائق التاريخ. فهو يحاول أن يثبت أن الدين الإسلامى مقتبس من الكتب التى يسمونها عندهم "أناجيل"، وأن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] كان على علم بها أو بشئ منها، فجاءت فى القرآن الكريم أشياء من الإنجيل كما يزعم، وأن المسلمين عرفوا هذه الكتب فذهبوا ينقلون عنها علومهم ودينهم، ويزعم أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -]"كان أكثر معرفة بالأناجيل المخولة منه بالأناجيل، ولم تصل إليه تلك المعرفة من مصادر مسيحية خالصة، وإنما نقلت إليه على يد يهود اعتنقوا النصرانية" وأن الشعراء عند ظهور الإسلام كانوا يترددون على الحيرة، "فنقلوا إلى بلاد العرب ما سمعوه من القصص فى حاناتها"، إلى آخر ما تهافت فيه ليرجعه إلى شئ واحد سماه:"المسألة العامة الخاصة بأصل الإسلام ومصادره".
ثم ذهب يضطرب به القول الكريم، فتارة يشير إلى بعض آيات من القرآن فيها ذكر مريم وعيسى وغير ذلك مما يظن أنه يتفق والمروى عندهم أو يخالفه، وتارة يذكر "الطب وأعمال الحكومة" وأنها من الوسائل التى وثقت الصلات بين المسلمين والنصارى، وتارة يذكر بعض معجزات النبى [- صلى الله عليه وسلم -] الثابتة بالأحاديث الصحيحة ليحاول أن ينسبها إلى أصول عندهم، حتى يتهيأ له أن يشكك القارئ ثم يوهمه أن المسلمين أخذوها عن النصارى ونسبوها إلى نبيهم على أنها معجزات له، ثم يزداد اضطرابا، فيذكر بعض مؤرخى المسلمين ويصفهم بأنهم "كانوا على علم واسع بالإنجيل" ويحرف فى تلخيص كلامهم حتى يوقع فى نفس القارئ أنهم كانوا يحتجون بهذه الأسفار، ويعتبرونها مصادر صحيحة لبعض التاريخ, ثم يناقض نفسه فينقل عن البيرونى أنه قال:"لا يوجد من الأناجيل إذن من كتب الأنبياء ما يعتمد عليه". ويغلبه ما يجد فى نفسه من الحرص على رأيه حتى