يغفل عن خطأ من الناسخين فى نسخة البيرونى فينسب إليه أنه كان يعرف تفسير الإنجيل لرجل اسمه "داذ يشوع"، وهو شخص لم يوجد قط، وإنما أتى من خطأ النسخة، ولو حرص على التحقيق العلمى ما وقع فى هذه الغلطة الشنيعة.
ولكنه نسى بجوار هذا أن يذكر كثيرًا من علماء المسلمين الذين اطلعوا على هذه الأناجيل وأبانوا فيها من اختلاف وأخطاء وألفوا فى ذلك كتبًا وافية، كابن حزم وابن تيمية وابن قيم الجوزية والقرافى، وغيرهم ممن قبلهم وممن بعدهم.
وأخيرًا يدعى أن المسلمين على وجه عام يحترمون الأناجيل، وأن الترك يسمونها "الإنجيل الشريف" وأن كثيرًا منهم "يؤثرون الإنجيل على القرآن الكريم دون أن يجهروا بهذا الرأى" ويحتج لذلك برجل تركى ارتد عن الإسلام فى عهد سليمان الأول فحكم بقتله جزاء ردته.
وهى كما ترى أقوال متهاترة، لا يأخذ بعضها بناصية بعض، ولا يدل مجموعها على شئ له قيمة علمية.
وهذه مسائل شائكة، الخوض فيها قد يثير النفوس، ويوغر الصدور, ولو شاء القائل منا أن يقول، لوجد مجال القول ذا سعة، ولكنا لسنا من دعاة الفتنة، ولا ممن يحرصون على الجدال. وقد دأب أمثال هذا الكاتب على مهاجمة الإسلام والعدوان عليه فى عقائده، ومحاولة إثارة الشكوك فى الحقائق التاريخية الثابتة، التى تتعلق بالإِسلام. وليس علينا من بأس أن نقف موقف الدفاع بالقول الرقيق المؤدب، لإقرار الحق فى نصابه، وخدمة خالصة للعلم الصحيح.
أن الاتصال العقلى والفكرى بين
المسلمين وبين أهل الكتاب -من اليهود والنصارى- لا يستطيع أحد أن ينكره، وقد كان اليهود بجوار المسلمين فى المدينة حتى أجلاهم عنها عمر، وكان المسلمون قد فتحوا مصر والشام وغيرهما من الأقطار التى كان يدين أهلها بالنصرانية، وكان أهل الكتاب أهل ذمة للمسلمين وفى حمايتهم، يرفرف عليهم عدل الإسلام ونصفته، وكانوا يدخلون فى دين الله أفواجا راضين مختارين، مما رأوا من كرم المسلمين،